+ A
A -
عبر سعد الحريري إلى الضفة الأخرى معلناً تبني ترشيح خصمه اللدود وحليف «حزب الله» ميشال عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية، في خطوة لم تكن مفاجأة تماما. فقد مهد لها منذ أسابيع عبر مجموعة لقاءات واتصالات في محاولة منه ربما لامتصاص النقمة أو التخفيف من حدتها في شارعه اللبناني والسنّي على من شهر العداء منذ عقد من الزمن لـ«الحريرية السياسية»، وكال لها شتى أنواع التهم إلى حد اعلان اسقاط حكومة الحريري من مقر عون بالذات، في نهاية عام 2010 عندما كان رئيس الحكومة الشاب يهم بولوج عتبة البيت الابيض للقاء الرئيس الاميركي باراك اوباما، والى المطالبة بمغادرته لبنان بـ«بطاقة سفر ذهاب من دون عودة»...

قيل الكثير حول أسباب ودوافع خطوة الحريري هذه التي تحدث خلطاً للأوراق في المشهد السياسي الداخلي، وتطرح مجموعة من الأسئلة والتساؤلات حول طبيعة المتغيرات التي حصلت في مجريات الصراع الاقليمي بين اللاعبين وانعكاساته على الساحة اللبنانية، وما اذا كان قد حصل تفاهم ما حول تسوية عنوانها عون رئيسا، أم أنها مغامرة (محسوبة؟) من قبل الحريري للخروج من مأزق الفراغ الرئاسي الذي يعطل المؤسسات ويشل البلد منذ سنيتن ونصف السنة. ناهيك عن انها ليست مضمونة بخواتيمها، أي انه ليس من المؤكد بعد ان العماد السابق سينتخب رئيسا في الجلسة المقرر عقدها في 31 أكتوبر المقبل.
دعم الحريري يوفر لعون من دون أدنى شك الأكثرية النيابية المطلوبة عبر تأييد كتلته النيابية (وهي الأكبر) إلى جانب أصوات النواب العونيين وكتلة نواب «حزب الله» وكتلة ونواب «حزب القوات اللبنانية». غير ان عون يواجه معارضة شديدة من قبل أطراف أخرى، في مقدمها رئيس مجلس النواب نبيه بري ثم سليمان فرنجيه حليف عون الذي بات خصما لدودا ومرشحا منافسا له، بالاضافة إلى «حزب الكتائب» ومجموعة من النواب المستقلين.
كما ان الأهم من ذلك هو ان مسألة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان ليست مجرد الحصول على أكثرية عددية فقط، وانما تتخطاها لتطال فسيفساء التركيبة اللبنانية وتوازناتها السياسية والطائفية التي تدفع باتجاه البحث عن شبه اجماع كما باتت عليه الصيغة التي أفرزتها الحرب الأهلية وجسدها «اتفاق الطائف» (1989)، أي البحث عن تسويات معقدة وإنما ضرورية. ومما يزيد الطين بلة ان معارضة بري تبدو حمالة أوجه ويصعب تخطيها، فهي تعكس أولا حال النفور وعدم الانسجام بين الرجلين، ثم توجس بري من «طبخة ثنائية» على حساب موقعه كرئيس للمجلس لاحقاً، وربما هناك «قطبة مخفية» مع «حزب الله»، لذلك فهو قرر ليس فقط عدم انتخاب عون رئيسا وانما أيضا عدم تأييد ترشيح «صديقه» الحريري لرئاسة الحكومة.
وهذا ما يفتح الباب أمام أزمة حكومية تطول شهورا، على اعتبار ان «حزب الله» لن يتخلى عن حليفه رئيس «حركة أمل» ولن يشارك في حكومة لا يشارك فيها بري. في المقابل، لا يناسب الحريري ان يتمثل الشيعة في الحكومة فقط بـ«حزب الله» الذي تعتبره الولايات المتحدة «إرهابيا»، وكذلك بعض الدول العربية، وفي مقدمها السعودية التي تلتزم موقفاً غامضاً يميل إلى المعارضة لخطوة الحريري بتأييد عون للرئاسة، وهي التي شنت حرباً شعواء على «حزب الله» وقررت في فبراير الماضي وقف مساعداتها وقدرها ثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني.
وكيف بإمكان رئيس تيار «المستقبل» إذن أن يحقق حلمه بالعودة إلى رئاسة الحكومة كي يتمكن من معالجة أزمته المالية وإعادة ترميم العلاقة مع السعودية كما يقال؟ وكيف يمكن للجنرال عون ان يترجم الضمانات التي أعطاها للحريري حيال حياد لبنان تجاه الأزمة السورية و«حزب الله» غارق في أوحالها يقاتل دفاعا عن النظام؟ فهل انه فخ إذن نصب للحريري لإغراقه في مستنقع أزمة حكومية ولتأليب الشارع عليه؟

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
25/10/2016
2342