+ A
A -

تصارعني نفسي، ومن منا لم يسأل نفسه حين يضع رأسه على المخدة: ماذا خسرت وماذا كسبت؟
كثيرا تكون الخسارة اكبر من الربح ونادرا ما يكون الكسب معادلا للخسارة «لا أتحدث عن الخسارة والكسب المادي، فهذه أسأل بطاقتي البنكية عنها، إنما أتحدث عن الحسنات والسيئات».
فأنا أقف على عتبات الشيخوخة، وقد ابيض الرأس وتعب القلب وخلفي عمر امتد سنين طوال بسنواتها وأشهرها وأيامها نهاراتها ولياليها صباحاتها وأماسيها ساعاتها ودقائقها وثوانيها ولحظاتها، وأمامي سمير ابن العشرين يقف بأناقته وسمير ابن الثلاثين بقوته وابن الأربعين بحكمته وابن الستين بأناقة ابن العشرين لأسأله سؤالا واحدا: هل حاسبت نفسك؟
هل صنت ما بين شفتيك وفخذيك لتضمن ما وعدك به رسول الله «الجنة» هل أكلت لحم أخيك ميتا، استحضر قلبك وسجل.
يفعل الإنسان خلال سني حياته العديد من الأنشطة، كما يتفوه بالعديد من الكلمات المختلفة والتي قد تكون موجهة إلى الآخرين قاصداً بها معاني معينة، كما انه قد تضعه الظروف في موقف سيقرر فيه قراراً بحيث يكون هذا القرار متعلقاً بشخص آخر ربما يكون بعيداً عنه أو قريباً منه، كل هذه المواقف من شأنها أن تتراكم داخل النفس الإنسانية وتترك آثارها سلباً أو إيجاباً، فإذا كان الأثر إيجابياً ارتاح الإنسان وارتاح ضميره وارتاحت نفسيته، أما إن كان الأثر سلبياً أرق هذا الفعل الإنسان وعذب ضميره، فالقلب هو دليل الإنسان والذي يستدل به على الخيرات والذي يخبره بأن ما ارتكبه من أفعال أو ما قاله من أقوال باطلة يجب تصويبها. لهذا يتوجب على الإنسان أن يكون دائم المحاسبة لنفسه والاستذكار لكافة المواقف التي تعرض لها دائماً في حياته، حتى يستطيع قدر الإمكان ان يصوب مكامن الخطأ وأن يستفيد من المواقف التي أصاب فيها، وبالتالي استمر في هذا الخير الذي فعله، فمحاسبة النفس هي التغذية الراجعة التي يستطيع بها الإنسان أن يتعرف على نفسه وعلى مواقفه وعلى طريقة تعامله وعلى أدائه وموقفه. ومنه توجب على الإنسان أن يكون دائم التحكيم لقلبه ولضميره حتى يهدياه إلى الطريق القويم والأخلاق الحسنة التي يجب عليه أن يتحلى بها. إذا أراد الإنسان أن يحاسب نفسه على عمل اقترفه وأخطأ فيه فيجب عليه أن يعمل قدر الإمكان على تصويب الخطأ، فإن أخطأ إلى زوجته مثلاً، وحاسب نفسه، عن طريق تحليل الموقف موضوعياً بدون أية عوامل خارجية مؤثرة، ودراسة الأسباب التي دفعته إلى التصرف فعلاً أو قولاً بهذه الطريقة التي فعلها، ووجد أنه كان من الأولى أو من الأفضل له ان يتصرف على نحو مغاير تماماً لما تصرف به، وجب عليه حينئذ ان يذهب إليها ويعتذر منها ويحاول قدر الإمكان أن يحتوي الموقف ويصلحه، حتى لو دفعه هذا الأمر إلى أن يستخدم أكثر الطرق كراهية على نفسه تعبيراً منه عن أسفه وندمه، فإن لم يفعل هذا دخل ذلك من باب المكابرة والإصرار على الخطأ، ومن هنا تبدأ الخسارة، ويبدأ عذاب الضمير. وليس منا من هو معصوم عن الخطأ، وليس منا من هو معصوم عن زلات اللسان، فربما يتفوه الإنسان بكلمة لا يدري هو نفسه كيف خرجت منه أو تفوه بها، لكنها تترك وقعاً كثيراً في نفس متلقيها وفي نفسه هو فيما بعد، فتطهير النفس مما علق بها من أخطاء هو من الأمور الضرورية والواجبة.
نبضة أخيرة
الحديث مع من خصك بإشعاعه خارج حسابات الربح والخسارة إنما هو غذاء للروح لتواصل بعث النور في محياك.
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
22/10/2016
1057