+ A
A -
في حومة الحديث عن البدائل في فلسطين، وفي نقاشات وحراكات بَدَت وكأنها مُستعجلة على جدول الأعمال بالنسبة لشخص الرئيس القادم، ضاع اليسار الفلسطيني، وتَحَشرَجَ صوته، عندما بات خارج الزمان والمكان، وخارج المعادلة، مع انعدام وزنه وتراجع حضوره وتأثيره في المعادلة الداخلية الفلسطينية منذ سنواتٍ ليست بالقليلة، بالرغم من التأصيل التاريخي لوجود الحالة اليسارية الفلسطينية تحت عناوين مختلفة من القوى والفصائل وعلى رأسها الجبهة الشعبية وحزب الشعب وجبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية....الخ.
في كل تلك الحراكات والنقاشات التي تسود الحالة الفلسطينية بشأن شخص الرئيس القادم في فلسطين، الرئيس القادم للسلطة، ولرئاسة المنظمة وحركة فتح، يعيش اليسار الفلسطيني في الحقبة الراهنة، مُحاولاً تأكيد حضوره ببيانات إعلامية، لفظية، دون أن يكون صوته مسموعاً أو مُعتبراً من قبل الطرفين الرئيسيين في المعادلة الداخلية الفلسطينية: حركة فتح، وحركة حماس.
الحال التي وصل إليها اليسار الفلسطيني الآن، من حيث تواضع الحضور والفعالية والتأثير- مع استثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بحدودٍ معينة- لم تكن صاعقة في سماءٍ صافية، بل كانت منتوجا منطقيا وطبيعيا في ظل عجز فصائل وقوى اليسار عن توحيد أدوارها، وتطوير وتجديد ذاتها، وبرامجها، وأدواتها، واستمرارها في المراوحة بالمكان دون الإقدام على خطوات شجاعة من خلال إعادة النظر بالكثير من المُسلمات التي قامت عليها سياسات اليسار الفلسطيني بجانبيها التنظيمي والعملي، وقصور ممارساتها بعد تسعينيات القرن الماضي، وهي الممارسات التي جَعَلَت منها فصائل «طاردة للكفاءات وأصحاب المهارات»، فدفعت- من حيث تدري أو لا تدري- بالأعداد الكبيرة من مُنتسبها، وأعضائها، ومناصريها، لمغادرة صفوفها، وبالتالي في إضعاف دورها وتأثيرها، وتقوقعها، بعد أن كانت تلك القوى والفصائل، قوى مُقررة بوزنها وحضورها خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وبعد أن تركت بصمات هامة في العمل الوطني الفلسطيني إبان تلك المرحلة المذكورة، لا يُمكن تجاهلها أو نسيانها أو الجَحدِ بها.
وبالطبع، وعند الحديث عن البدائل في فلسطين، وعن شخص الرئيس القادم، إن حجم التأثير الخارجي في تقرير هذا الأمر، قد يكون كبيراً على الأرجح، وقد يكون حاسماً، لكنه يُمكن له أن يَصغُرَ وأن يتواضع بتأثيراته، حال توافرت مساحة جيدة من عمق التفاهم بين مُختلف الفرقاء من الفلسطينيين، وبين أطراف المعادلة الفتحاوية، وعندما يَجد الجميع أن أدوارهم محفوظة ومصانة، بما في ذلك فصائل اليسار الفلسطيني المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والتي ضاعت في تلك اللجة، وباتت تتغنى بتاريخها وأدوارها السابقة، لكنها لاتجد لها الآن موضعاً في زحام التسابق بين حركتي فتح وحماس.
إن الرئيس القادم لفلسطين، لايملك عصاً سحرية، فحجم الإشكاليات الفلسطينية الداخلية واسعة، ومُتعددة العناوين، وأكبر من كل الفصائل والقوى، لكن المُهم في كل الأمر أن يأتي كحالة توافقية، وبطريقة ديمقراطية، وأن لايجمع كل السلطات والمناصب، وإنما لا بد أن يكون في إطار حالة وطنية إئتلافية توافقية، تقوم على المشاركة السياسية الحقيقية، والمؤسسة الجماعية. وهنا تنبع أهمية عقد مجلس وطني فلسطيني توحيدي (البرلمان الفلسطيني الموحد للداخل والشتات)، في سياق إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ودخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي لعضويتها وفق أوزانها على الأرض، وعبر صندوق الإقتراع.
بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
21/10/2016
1717