+ A
A -
اختـتم في مدينة لوزان السويسرية الاجتماع الدولي بشأن سوريا دون تحقيق أي نـتائج تـذكر وذهب كما ذهبت اجتماعات جنيف وفيـينا من قبل! البعض من المشاركين تحدث عن تـقدم والبعض الآخر تحدث عن تأخر وفـشل، لكن توافق الجميع على أن اجتماع لوزان أسفر عن تـقديم مزيد من الأفكار وصفت بأنها إيجابية، مثيرة للاهتمام، محفزة... إلخ، لكن الحقيقة التي لم يفهمها الكل هي أن السوريين بحاجة للفعل وليس للأفكار! اجتماع لوزان كان غريـبا بعض الشيء خاصة في المواقف والأحداث التي حدثـت قبله وجعلت منه مجرد اجتماع عابر في مدينة جميلة تسمى لوزان!
جاء اجتماع لوزان بعد ثلاثة أسابيع من التوتر في المنطقة إثر فـشل المحادثات الثـنائية الروسية- الأميركية وبعد سقوط المشروع الفرنسي بالفيتو الروسي وتعثر المشروع الروسي بالتصويت في مجلس الأمن! انسداد الأفق السياسي للأزمة السورية قبل اجتماع لوزان جعل المراقبـين يتوقعون انبعاث التوتر العسكري وبالغ بعضهم في تصور صدام عسكري بين أميركا وروسيا قد يصل إلى حرب عالمية ثالثة! كما جاء في بعض التـقارير لكن الحقيقة المرة تـقول إن الصدام بين الطرفين اللذين يتلاعبان بمصير الشعب السوري مستبعد تماما ما دام التـنسيق بـينهما يسير على أكمل وجه!
أعقب فـشل المحادثات الروسية- الأميركية تصعيد كلامي غير مسبوق من قبل البـيت الأبيض والبنـتاغون وتم استخدام عبارات رنانة عن اجتماع أوباما مع أركان قيادته لتدارس عمل عسكري أو قصف قوات النظام أو رد فعل مناسب على قصف حلب وتدمير الحياة السورية! هناك سؤال مؤلم يتدحرج من أعلى ناطحة سحاب أميركية يقول: إذا لم تستطع إدارة أوباما في عز مجدها أن تـتخذ قرارا عسكريا ضد نـظام الأسد بعد استـخدام الكيماوي في الغوطة فكيف تستطيع أن تـفعل شيئا يذكر وهي تجهز حقائبها للرحيل في الأشهر الأخيرة من سنة البطة العرجاء؟!
ومما صدر قبل اجتماع لوزان وأثر على نـتائجه مبادرة المبعوث الدولي دي ميستورا وهي مبادرة مصممة على المقاس الروسي ولمصلحة نـظام الأسد ولم تراع مطالبات الشعب السوري ولا المعارضة السورية! أهم بند في هذه المبادرة، والذي ركزت عليه كثيرا ماكينة الإعلام الروسي وإعلام نظام الأسد وأعوانه، يطالب بضرورة ترحيل مقاتلي جبهة النصرة من الأحياء الشرقية في حلب إلى إدلب! وافـتـقدت المبادرة مواضيع أخرى مهمة مثل ما آليات فصل ونـقل المقاتلين في حالة الحرب والحصار والقصف المستمر؟ وما هي الضمانات لعدم ظهور مبادرة جديدة بعد التـنفيذ تطالب بترحيل مقاتلي النصرة من إدلب! وهكذا حتى يتم ترحيل الشعب السوري كله إلى خارج وطنه!
أصبحت مبادرة دي ميستورا «حلاوة» كل المحادثات والاجتماعات وهي تمثل خلاصة القرار الروسي-الأميركي المشـترك القاضي بتـثبـيت نظام الأسد رغما عن الشعب والأمة وأصدقاء سوريا الصامتين! ولمثل هذه المبادرة تطبـيقات سيئة سابقة في سوريا نـفسها ما يجعل هدفها الأساسي ليس حل الأزمة السورية ولكن استمرارها لأجل الوصول للهدف الكبير حتى لو تم تهجير الشعب السوري الذي لا يوافق على بقاء نـظام الأسد! الأحداث ليست قديمة لكي ينساها أصدقاء سوريا في اجتماع لوزان فما زالت اتـفاقية تهجـير ثوار داريا غير مطبقة بالكامل ومازال الإجحاف في حق الشعب السوري وفرض التهجـير القسري عليه مستمرا من الزبداني ومضايا وقدسيا إلى الحي الصغير المسمى الوعر في حمص!
الحال بعد اجتماع لوزان كالحال قبله والشعب السوري ما زال تحت القصف! بعد اجتماع لوزان، صرح وزير الخارجية الروسي قائلا «تم الاتـفاق خلال الاجتماع على مواصلة الاتصالات وبدء العملية السياسية في أسرع وقت»! يتحدثون في لوزان عن «أسرع وقت» والأزمة السورية الطاحنة مستمرة منذ بدايات عام 2011م، ست سنوات عصيـبة! ويتحدث لافروف بعنجهية القوة عن «بدء العملية السياسية» مع أن عملية الروس العسكرية تطحن الشعب السوري ليل نهار!
من ناحية أخرى قال وزير الخارجية الأميركي بعد اجتماع لوزان «اتـفق المجتمعون على بعض الأفكار الأساسية ومتابعة سريعة لأفكار جديدة قد تـقود إلى خريطة طريق بشأن محادثات سياسية»! كلام مموه لا يقدم ولا يؤخر! وظف كيري مصطلحات براقة مثل مفاهيم أساسية وأفكار جديدة وخريطة طريق ثم ختمها بكلمة «بشأن محادثات سياسية»! وما هو التعريف الرسمي الأميركي لما كان يدور في جنيف وفيـينا وفي لوزان؟ هل نـقول «تمثيلية»!
عجبا لهذا العالم المخـتل، كل هذا القصف على الشعب السوري وكل هذا التدمير لكافة مناحي الحياة في الوطن السوري لم تحرك لدى المجتمعين في لوزان إلا بلاغة لغوية مرهفة وترديد مصطلحات طنانة وتلاعب بالألفاظ لا مثيل له! أين المفاهيم الأساسية التي تهم السوريين؟ وأين الأفكار الحقيقية التي تهم الشعب السوري مثل وقف إطلاق النار ولجم القصف الروسي المدمر وإيصال المساعدات الإنسانية ورفع الحصار عن المدن والبلدات السورية وإيقاف التهجير القسري للسوريين!
د. صنهات بن بدر العتيـبي بقلم
copy short url   نسخ
18/10/2016
2902