+ A
A -
ماذا يجري في ماليزيا؟ رئيس الحكومة السابق أنور ابراهيم لا يزال في السجن بتهمة ممارسة الشذوذ الجنسي. وهي تهمة يقول هو عنها انها ملفقة هدفها ابعاده عن المسرح السياسي. ورئيس الحكومة الحالي نجيب عبد الرزاق متهم بالاختلاس، أو بقبول رشوة مالية ضخمة. وهي تهمة يقول هو عنها أنها ملفقة لإخراجه من السلطة. بصرف النظر عن صحة أو لا صحة أي من التهمتين فانهما تنعكسان سلبياً على الوحدة الوطنية في دولة متعددة الأديان (المسيحية والبوذية والهندوسية مع أكثرية إسلامية)، ومتعددة العناصر (الصينيين والهنود مع أكثرية مالاوية ).

قام الانفصال الرضائي بين سنغافورة وماليزيا على تفاهم يعطي الحكم في الأولى إلى الأكثرية الصينية البوذية، ويعطي الحكم في الثانية إلى الأكثرية المالاوية الإسلامية.

ازدهرت الدولتان وتحولتا إلى مثل أعلى في جنوب شرق آسيا. غير ان الأمر بدأ يتغير الآن في ماليزيا.

فالرئيسان الماليزيان المتهمان يلجآن إلى الأكثرية الإسلامية لتعزيز موقعيهما في السلطة وخارجها. ادى ذلك إلى تبني مطالب متطرفة لا عهد لماليزيا بها. فالرئيس السابق أنور ابراهيم مثلاً يوافق على مطالب حركات إسلامية تقول بوجوب منع المسيحيين من استخدام كلمة «الله» في صلواتهم باعتبار ان هذه الكلمة هي وقف على المسلمين دون سواهم. وبدلاً من ذلك يطلب من المسيحيين استخدام كلمة GOD باللغة الإنجليزية!

والرئيس الحالي عبد الرزاق يستجيب لمطالب هذه الحركات بقبول مبدأ اعادة النظر في بعض القوانين الماليزية لتكون أكثر تماهياً مع الشريعة الإسلامية بما في ذلك تلك التي تتعلق بقطع يد السارق ورجم الزاني. وقد أدت هذه المطالب والتجاوب المبدأي معها إلى ردود فعل سلبية من الجماعات غير الإسلامية التي تشكل أكثر من 40 بالمائة من السكان، وأثارت ردود فعل سلبية حتى من الرئيس السابق مهاتير محمد الذي يعتبر أب ماليزيا الحديثة ؛

وهناك تجربة مماثلة غير مشجعة عرفتها مصر في السبعينات من القرن الماضي. فرغبة من الرئيس المصري الراحل أنور السادات لاستقطاب الحركات الإسلامية استجاب إلى طلبها في تعديل المادة الثانية من الدستور المصري لتنص على ان الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع. وقد أثار هذا التعديل قلق المسيحيين الأقباط ومعارضتهم. الا ان الرئيس السادات تجاوز ذلك حتى اغتاله المتطرفون أنفسهم. ذلك ان التطرف لا حدود له ؛ وقد أثبتت التجربة ان الاستجابة له لا تعني احتواءه ولا تؤدي إلى كبح جماحه.. بل على العكس فانها تشجعه على المزيد.

وكما ان الرئيس السادات لم يقدم على تلك الخطوة ( التي ألغيت في الدستور المصري الجديد الذي أقرّ بعد الثورة الانقلابية على الرئيس السابق حسني مبارك)، فانه لا الرئيس الماليزي عبد الرزاق، ولا الرئيس السابق أنور ابراهيم، يؤمنان حقاً بصوابية مطالب المتطرفين. ولكن كلاً منهما يحاول توظيف الاستجابة في حسابات الصراع على السلطة. وهو صراع قد يؤدي في الحسابات الأخيرة إلى تعريض السلطة إلى الانهيار كما حدث في مصر.

لا تتحمل ماليزيا تجربة من هذا النوع. انها تختلف عن مصر من حيث ان مجتمعها متعدد الأديان والأعراق. والتوازن القائم فيها دقيق لا يتحمل مغامرة قد تعرضه للخطر. اما التعدد في مصر فانه بسيط، قائم على عنصر واحد، وعلى أكثرية إسلامية مطلقة.

كانت ماليزيا، ولم تزل، قدوة في الاستقرار السياسي وفي النمو الاقتصادي وفي الازدهار الاجتماعي. وحققت نجاحات باهرة حتى أصبحت مثلاً يحتذى في العديد من الدول الآسيوية والإسلامية الأخرى. وتشكل هذه الإنجازات قوة معنوية للماليزيين.

بقلم : محمد السماك

copy short url   نسخ
17/03/2016
1155