+ A
A -
في النهاية، بالنسبة لكثيرين، فإن النتائج المعلنة لانتخابات مجلس النواب المغربي 7 أكتوبر 2016، لا تشكل مفاجأة كبيرة.العودة إلى «المؤشر الصلب «الوحيد الذي كان يسمح الانطلاق منه القيام بعملية توقع موضوعي لهذا الاقتراع،وهو أن نتائج العملية الانتخابية المحلية والجهوية،الأخيرة لعام 2015،كانت تعطي دائما خطاطة قريبة من ما تم الإعلان عنه من تفوق بين للعدالة والتنمية الذي يقود الحكومة منذ 2011،متبوعا بالاصالة والمعاصرة.
إذ عموما منذ ذلك الوقت،لم يقع أي متغير كبير ونوعي من شأنه تغيير المزاج الانتخابي للرأي العام، ان لم تكن بعض الأحداث قد أسهمت في بناء مفعول عكسي لاهدافها المنتظرة، مثل مسيرة مناهضة الكراهية أو مثل سلوكات بعض أعوان السلطة الذين اخلوا بالتنافسية الانتخابية الطبيعية...في العمق، فإن الفرضيات والخلاصات الكبرى التي دافعنا عنها في قراءة استحقاق 2015،تظل صالحة لتحليل نتائج الاقتراع التشريعي الأخير.
أولا:تكرس واقع الثنائية الانتخابية، ممثلة في تنظيمين سياسيين مهيمنين على المشهد الحزبي،و يبتعدان كثيرا عن باقي الأحزاب الستة المكونة للخريطة الحزبية الممثلة في المؤسسات.
هذه الثنائية استمرت في إنتاج آثارها السلبية على باقي مكونات المشهد الحزبي،سواء من خلال القضم المستمر في قواعدها الانتخابية،أو من خلال أدائها لضريبة التصويت النافع الذي فرضته حدة التقاطب السياسي.
ثانيا: استمرار وتكرس العودة التدريجية للسياسة داخل الحقل الانتخابي، الذي لم يعد مجرد محكوم بعوامل اللاسياسة: العائلة،النفوذ والتراتبيات الاجتماعية،المال،القرب من السلطة..،بل أصبح مخترقا بنفس سياسي،يعطيه قابلية للمقروئية كمجال للصراع بين المشاريع السياسية،ويسمح بتحولات على مستوى السلوك الانتخابي للمواطن الذي أصبح يميل نسبيا إلى إعطاء تصويته معنى سياسيا.
لذلك فالحقيقة أننا بصدد تحولات عميقة،نتيجة إعادة تسييس فئات واسعة من المجتمع، وحفاظ منسوب عودة السياسة الذي شكلته لحظة 20 فبرابر.
وتراجع واضح لمفعول العوامل الحاسمة قي الظاهرة الانتخابية منذ الستينات(الإدارة،المال والبادية ).
ثالثا:السقوط المدوي لفرضية التصويت العقابي في مواجهة العدالة والتنمية،ذلك ان الناخبين عموما لم يحولوا سلوكهم الانتخابي إلى موضوع للمساومة النقابية بين مصالحهم الاقتصادية وعروض الحكومة،وهو ما يمكن محاولة تفسيره،بعاملين اثنين:
العامل الأول:يتعلق بطبيعة التقاطب السياسي الحاد الذي أنتجته خطابات كل من قادة العدالة والتنمية من جهة وقادة الأصالة والمعاصرة من جهة أخرى،وهي الخطابات التي لم تجعل من الحصيلة الحكومية ومن العرض البرامجي موضوعا للنزال الانتخابي، معوضة ذلك برهانات سياسية فوق برنامجية:رهان مواجهة مع التحكم من جهة، ورهان مواجهة الاسلمة من جهة أخرى.
العامل الثاني:يتعلق بأن الناخبين المنتمين إلى فئات من الطبقات الوسطى، والمفترض تضررهم من السياسات الاجتماعية للحكومة،لم يجدوا في المقابل أمامهم بديلا مقنعا وذا مصداقية.
رابعا: استمرار «أثر بنكيران» كأحد العوامل المفسرة للقوة الانتخابية والسياسية العدالة والتنمية، خاصة مع التدبير السياسي لمرحلة الحملة الانتخابية وما قبلها،و تطوير بنكيران لشبكة من المفاهيم والرموز الدلالية،للتواصل الفعال والنافذ مع الشعب، وبنائه لخطاب يعتمد على شخصنة التفاعل مع الجمهور.
خامسا: استمرار ظاهرة تراجع الاحزاب التقليدية ومكونات الحركة الوطنية،فضلا عن تعمق الانحدار الانتخابي لليسار الذي انطلق منذ 2007،والذي يعود إلى أسباب تاريخية وهيكلية،فضلا عن متتاليات من الأخطاء المسجلة في باب التقدير السياسي للمرحلة.
بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
14/10/2016
3668