+ A
A -
عين على حلب والعين الأخرى على الموصل.. هنا يتقرر مستقبل بلاد الشام وهناك يتقرر مستقبل بلاد الرافدين.. وفي الحاضرتين معا يتقرر مصير الإقليم والمنطقة.
وبينما تذبح ثاني كبريات المدن السورية وسط صمت عالمي مريب، فإن ثاني كبريات المدن العراقية يباع «جلدها» قبل استعادتها من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية».
الصخب السياسي والتعبوي المرافق للاستعدادات لمعركة الموصل يعلو على هدير الآليات العسكرية.. ومرد هذا الصخب تنوع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الطامحة إلى دخول المدينة.
القوى الخارجية تبدي حماسا للتحرير يفوق حماس القوى الداخلية.. لكن ليس كرما لعيون أهل الموصل وأهل العراق، بل كرما لأجندات ومشاريع بعيدة كل البعد عن مصلحة العراق ووحدته ومشيئة أهله؛ فالموصل كانت ولاتزال عقدة وصل بين بلاد الرافدين وإيران وتركيا.. لذا، سيؤشر مستقبلها بعد التحرير إلى مآل البلاد كلها، فمن سيمسك بها أو يحظى بحصة فيها ستكون له كلمة وازنة في تقاسم السلطة في كل العراق.
وإذا كان بين الأميركيين والروس نوع من التفاهم على تقاسم النفوذ في العراق وسوريا: لنا هنا ولكم هناك، فإن تركيا لن تقبل بإطلاق يد الأكراد وإيران عبر ميليشياتها في المدينة العراقية الأقرب إلى قلبها وحدودها.. والسعي الإيراني المحموم إلى الإمساك بقلب العراق وتأمين طريق التواصل بين طهران والشام لا تعوزه الدلائل ولا الشواهد فهو ماثل للعيان وواضح كوضوح الشمس في عز النهار. والأنكى من ذلك أن حكومة بغداد التي حملها الاحتلال الأميركي إلى الحكم، وحولت العراق من دولة واحدة إلى دولة طوائف وشرعت الابواب للنفوذ الإيراني على أساس طائفي وصارت خاضعة له، صعدت مشكلتها مع تركيا ورفضت أن تشارك أنقرة في معركة الموصل واعتبرت حضورها هناك انتهاكا للسيادة العراقية! فكيف تسمح هذه الحكومة للإيراني بانتهاك مبدأ سيادتها طولا وعرضا ثم تهدد بشن حرب على تركيا حرصا منها على هذا المبدأ؟؟
أما حكومة أنقرة فتصر على دورها في تحرير الموصل، كما الرقة.. وحجتها كما الآخرين أنها جزء من الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب.. علما أن هدفها الأول ضمان قدرتها على إحباط تمدد خصمها اللدود حزب العمال الكردستاني في كلتا المدينتين والبلدين أيضاً.. ومن ثم عدم ترك الإيراني لاعباً وحيداً في الإقليم. لكن الأخطر من هذا التجاذب والصراع الإقليمي المحموم، انعكاسه على الداخل العراقي وتوليده صراعات عراقية عراقية لا تنتهي، ليس فقط بين بين القوى السياسية والمكونات والطوائف والإثنيات، بل داخل المكونات نفسها.. وهكذا قبل أن تبدأ عملية «التحرير» نخرت الخلافات والانقسامات صفوف الجميع عربا وكرد، سنة وشيعة وأقليات.
ومع تموضع الحشود العسكرية لتطويق «الدولة الإسلامية» في المدينة العربية عاصمة محافظة نينوى التي تؤوي خليطاً بشرياً يضم أعراقاً وديانات ومذاهب عدة، مثل العرب والأكراد والتركمان والسنة والشيعة والصابئة والإيزيديين والشبك والزرادشتية والكاكائية، والآشورية، بدأت تطرح بقوّة مشاريع عدة متناقضة ومختلف عليها لتقسيم المحافظة إلى محافظات عدة أو تحويلها إلى إقليم أو إعادتها إلى ما كانت عليه سابقا.. وخلف كل من هذه الاقتراحات والطروحات قطبة مخفية ومصلحة فئوية أو خارجية، الأمر الذي يزيد في طين الانقسامات بلة.
وهكذا قبل أن تتحرر الموصل يتنافس الجميع في الداخل والخارج على تناتش جسدها موحية بأن حجم المشكلات السياسية التي ستعقب العملية العسكرية اكبر من المعركة نفسها، لترتسم صورة غرائبية عن المشهد العراقي لا تنفك تتراكم منذ الغزو عام 2003.
أمين قمورية
copy short url   نسخ
12/10/2016
2559