+ A
A -
لا أتفق مع الذين يحاولون طمأنتنا بأن قانون جاستا ولد ميتا، بسبب التعديلات التي أفرغته من مضمونه، فأصبح يتعذر تطبيقه، وأن الكونغرس بصدد (إعادة النظر) فيه، خلال دورته المقبلة بعد انتخابات التجديد النصفي 8 نوفمبر، ولست مع المهونين للتداعيات الخطرة لجاستا، كونه مناقضاً للقوانين والأعراف الدولية المستقرة، ومقوضاً لأحد أهم مبادئ العلاقات الدولية، مبدأ الحصانة السيادية للدول، ولأنه يشكل سابقة خطرة في العلاقات بين الدول، وما يترتب عليها من تداعيات سلبية تعود بنتائج عكسية على الأمن العالمي، وتعزز روح الإرهاب والتطرف.
ومن ناحية أخرى، لست مقتنعاً بأن الإدارة الأميركية ستعوق تنفيذ جاستا، كونه منحها حق إرجاء الدعوى ضد دولة أجنبية، مغبة أن تصدر الدول الأخرى تشريعات مماثلة تتيح مقاضاة الشخصيات والشركات الأميركية والإدارة الأميركية نفسها عن ضحايا مدنيين - وما أكثرهم - سقطوا بفعل التدخلات والسياسات الأميركية في دول العالم، أي أن قانون جاستا قد يرتد على أميركا، وينقلب السحر على الساحر، لذلك نشطت مواقع التواصل العربية، بالهاشتاقات الساخرة من جاستا، والمتوعدة ضد ما سموه «الإرهاب الأميركي».
كما نشرت فيديو لضابط مخابرات أميركي يعترف بمسؤولية أميركا عن هجمات سبتمبر!
وقد عبر عن هذه المخاوف، الرئيس أوباما في رسالته إلى مجلس النواب، معللا رفضه مشروع القانون: بأنه يمكن للدعاوى القضائية الخارجية أن تخضع أفراد القوات المسلحة الأميركية إلى التقاضي، وفضلا عن ذلك، فإن أضراره على المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية الأميركية وعلى الشركات الأميركية التي تتعامل مع دول المنطقة، أكبر بكثير، كيف تطمئن دول العالم على استثماراتها، في ظل جاستا، الذي يمنح محكمة محلية،لا فدرالية، سلطة مصادرة هذه الاستثمارات؟!
من شأن هذا القانون، أن لا يبقي لأميركا صديقاً! ولن يجرؤ مستثمر - بعد جاستا - أن يستثمر أمواله في أميركا! ولست مطمئناً لمن يقول: لا داعي للخوف والقلق، أموالكم في أمان، إنه مجرد لعبة انتخابية تستهدف الناخب الأميركي فحسب!
وأخيراً: أتفهم الدعوة إلى سلوك التعقل والحكمة وتجنب ردود الفعل الانفعالية، لأن هذا هو ما يسعى إليه دعاة التصادم والتخريب وهدم جسور العلاقات التاريخية بين العرب وأميركا، سواء من المتشددين والحركيين في الداخل أو الخصوم الإقليميين في الخارج.
لكني، لست مع تصريحات المهونين والمطمئنين، وينبغي أن لا نركن إليها، جاستا سلاح خطر، يمثل انقلاباً نوعياً مقوضاً للنظام القانوني العالمي، وللأعراف والمفاهيم المستقرة، ويشكل منعطفاً فاصلاً بين بين حقبتين: ما قبل، وما بعد جاستا، ويؤذن بنهاية عصر السيادة الوطنية، جاستا نقطة تحول فاصلة في علاقة استمرت 7 عقود مع الخليج، طبقاً لراشد العريمي، قررت فيها أميركا التي تعد بنكاً لودائع السعودية، أن تسطو على مدخرات ومقدرات حليفها الثري، وفقاً لأمل عبدالعزيز الهزاني.
خطورة جاستا تكمن في الجانب الذي أغفله كثير من المحللين، وهو أن وراء هذا القانون، تيارا يمينيا شعبويا، وقطعانا من المحامين الجشعين، وشركات محاماة عملاقة عابرة للحدود، تعتاش على رفع قضايا التعويض بالمليارات، وترتزق منها، نجحت في نهب المليارات وإفلاس العديد من الشركات والمؤسسات والبنوك - إفلاس بنك الاعتماد الدولي، وشركات الأسبستوس، خسائر كبيرة لمؤسسة الحرمين الخيرية التي برأت بعد 15 عاما، تعويضات ضخمة من شركات التبغ وفولكسفاغن ودويتشة بنك، تعويضات ودائع سودانية لضحايا المدمرة كول، وإيرانية لرهائن السفارة في طهران ومشاة البحرية الأميركية في بيروت - يبدأون برفع دعاوى جماعية بالتحفظ على أموال الجهة المتهمة، وتكفي استجابة قاض محلي، خاضع لمحلفين شعبيين، متأثرين بالمناخ المشحون، ليتم التحفظ على الودائع في قضايا تمتد 10 سنوات وأكثر، لا تستطيع الجهة المتهمة التصرف في أموالها.
ختاماً: على دولنا، المسارعة إلى تحصين وحماية مدخراتها، من مخاطر جاستا، بكافة الطرق القانونية المحصنة للأموال: سحباً أو بيعاً أو تحويلاً إلى وقف حصين لخدمة شعوبها، علينا عدم التعويل على الكونغرس لإعادة النظر في القانون، وعدم الانتظار لأن مافيا المحامين الماكرة والطامعة لن تنتظر.
- عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
10/10/2016
2223