+ A
A -


عندما عرضَ أنورُ السّادات على الرّائع مصطفى محمود أن يتولى الوزارة، رفضَ قائلاً: أنا فشلتُ في إدارة أصغر مؤسسة وهي الأسرة، فأنا مُطلق، فكيف أنجحُ في إدارة وزارة؟!
مصطفى محمود رجلٌ أشهر من أن أُعرّفَ به، فهو في سماء الفكر كصخرٍ في شِعر الخنساء: علمٌ في رأسه نارُ! ولكنّ إن كان الكثيرُ لا يكفي فالقليل لا يضرُّ!
مصطفى محمود الفيلسوف والطبيب والكاتب والمُفكّر، صاحب الأربعمائة حلقةٍ من التحفة التليفزيونيّة برنامج العلم والإيمان، وصاحب التسعة وثمانين كتاباً! هو الفيلسوف في حوار مع صديقي الملحد، والمؤمن في رحلتي من الشّك إلى الإيمان، والمفكّر في الإسلام السياسي والمعركة القادمة، والباحث في حقيقة البهائيّة، والرقيق في اعترافات عشّاق، والقاصّ في المسيح الدّجال، والرّوائيّ في الطوفان! والحديثُ عن الشّخص يطول، وفي الجعبة أشياء أُخرى، لهذا أُمسِكُ عن هذا!
سألتُ نفسي سُؤالاً شائكاً لم أعثر له على إجابة: إذا كان مصطفى محمود لا يصلح للوزارة فمن يصلحُ لها؟!
لا شكّ أنّه كان يصلح، ولكنّ الرجل الذي زهد بالوزارة، كان نبيلاً إلى حدّ الخوف من الفشل! وهؤلاء لا نعثر عليهم كلّ يوم، فللأسف نحن نعيش في وطنٍ عربيّ مترامي الأطراف يعجُّ بالوزراء والمسؤولين الذين تبدو مناصبهم عليهم فضفاضة كطفلٍ لبس عباءة أبيه!
لا أعرفُ أية إهانة في أن يعترف المرءُ أنّه لا يصلح لأمرٍ أُنيطَ به، على العكس تماماً، ولكن كيف أطلب هذه الدّرجة من النُبل وأنا أرى أن الكفاءة الوحيدة التي يملكها مئات الوزراء في بلادنا هي عدم الكفاءة! كثيرٌ من الأطباء الفاشلين صاروا وزراء صحة ومدراء مستشفيات، وكثيرٌ من الموظفين الفاشلين في وظائف صغيرة تقلّدوا وظائف كبيرة، الضباط الذين خسروا الحروب صاروا جنرالات ووزراء دفاع، الفاسدون يحققون في الفساد، وأصحاب الأرصدة المتخمة في بنوك سويسرا يسألون النّاس: من أين لكَ هذا؟ متى سنعرف أهمّ قانون في علم الإدارة: إذا أردتَ أن تلغي هيبة منصب كبير عيّن فيه صغيراً، وإذا أردتَ أن ترفع من شأن منصب صغير عيّن فيه كبيراً!
قد يفشلُ شخصٌ في جانبٍ من جوانب حياته الشّخصية وينجح في منصب عام، لا أنكر هذا، فيمكن لامرأة مطلقة أن تنجح في وزارة شؤون الأسرة، ويمكن لرجل لا يعرف ابنه في أي صفّ أن ينجح في إدارة مؤسسة! ولكن هذا لا يحصل إلا نادراً، فالشّخصُ الذي لا يعرف كيف يدير بيته لن ينجح في إدارة وزارته، وهؤلاء حين نمنعهم من المناصب العامة فإننا نحميهم من الفشل، ونحمي الناس من إخفاقاتهم أيضاً!
ولكن يبقى السؤال: لماذا لا يعترف الفاشلون أنهم كذلك؟! ومتى سيرفض فاشلٌ منصباً أكبر منه، ويقول: اعذروني أنا لا أصلح لهذا الأمر، ولا أريد أن أبدو فيه مضحكاً كالطفل الذي لبس عباءة أبيه!
أدهم الشرقاوي
copy short url   نسخ
08/10/2016
4191