+ A
A -
ها نحن بانتظار الغروب لنستقبل سنة هجرية جديدة، نتفاءل بها خيرًا؛ لأنها سُنة المصطفى صلى الله عليه وسلّم، التي تحثّ على التفاؤل وتنهى عن التطيّر والتشاؤم. ونقف اليوم على عتبة الباب نودّع سنة مليئة بالفقر والجوع والمعاناة والتشريد لإخوانٍ لنا في الإنسانية والعرق والعقيدة، وآخرين لا نعلمهم، الله يعلمهم؛ خاصة وأن كثيرًا من وسائلنا الإعلامية لم تحظ بفرصة الكشف عن معاناتهم، أو أنها تفاعلت مع قضاياهم، لكنّ بعضنا انشغل بالترفيه والراحة والاستجمام.
أصبحت الشعوب العربية في حالة ترقّب من سياسات حكوماتهم تجاه تلك الشعوب العربية والإسلامية البائسة والصامدة والمقاوِمة، يرفعون أكفهم؛ للدعاء لحكوماتهم بالسداد والرشاد حتى لا تزيد الفواجع والمصائب والجراح في أمة عرفت كيف تستغّلها بقية الأمم!
المهم أننا نقف بين مستبشرين بذكرى الهجرة النبوية التي جاءت بالأفضل والخير لهذه الأمة، ونترجى من قيادات أمتنا أن تتخذ خطوة واضحة وحازمة وثابتة تجاه أخوتنا في العراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا ومصر احتفاءً بهذه الذكرى الطيبة، لعلهم ينعمون بالأمن والاستقرار الذي يؤهلهم لبناء أوطانهم وإعادة تعميرها، بالسعي لخدمة أولئك المستضعفين، لا مصالحهم الشخصية أو مصالح القوى العظمى، فالأمر لن يحتمل أكثر من ذلك.
فالمراقب عن كثب، والمتابع لإحصائيات الأمم المتحدة، وغيرها من الهيئات المهتمة بحساب أو تقدير أعداد اللاجئين لن يُصدم بأعداد أولئك المشردين المحرومين من حقوقهم الإنسانية والوطنية، أو النازحين إلى مناطق أخرى في البلد نفسه؛ طلبًا للأمان والاستقرار. لكنه سيشعر بالأسف والحسرة، خاصة لو كان في موقف العاجز، الذي ليس بمقدوره إلا أن يرتوي أملًا بالدعاء.
ومن باب سد الفضول، يُدرج المقال بعضًا من أرقام اللاجئين والنازحين من بلدانهم إلى بلدان مجاورة عربية كانت أم غربية: فقد بلغ عدد اللاجئين العراقيين 2 مليون، أما السوريون فيربو على 4.8 مليون، أما الفلسطينيون فيُقدر عددهم بـ 1.4 مليون. ناهيك عن عدد القتلى الذين يفوق مجموعهم في هذه البلدان الثلاثة على نصف مليون قتيل، فحسب المركز السوري للأبحاث السياسية بلغ عدد القتلى السوريين حتى ديسمبر 2015 ما مجمله 470 ألف قتيل. هذا غير الليبيين الذين اضطروا للجوء في فترة الحرب، عاد منهم وآخرون لا زالوا عالقين خاصة مع توتر الأوضاع السياسية فيها.
والحقيقة توثّق أن الإسلام ثاني دين من حيث الانتشار، كم تسعدنا تلك الحقيقة! لكن تؤلمنا وتؤذينا المشاهد والأخبار حين نلتفت إلى البلاد البعيدة جغرافيًّا، القريبة قلبيًّا، فنرى ونسمع عن الإبادة الجماعية المستمرة للمسلمين في بورما، والتهجير القسري، ومعاناتهم في ظل المجلس العسكري، مما أدى إلى تصنيف المسلمين البورميين كأكثر الأقليات اضطهاداً في العالم حسب إحصائية الأمم المتحدة. ويزعجنا بل يؤرقنا التضييق السياسي للمسلمين في تركستان ومعاناتهم مع الشيوعية الصينية.
أما في القارة السوداء، فقد ضجّت الأرض بدماء المسلمين بسبب المجازر التي يتعرضون لها في النيجر منذ مطلع الألفية الثالثة على يد السكان المحليين. وأيضًا معاناة المسلمين في إفريقيا الوسطى ومالي بمساعدة فرنسا التي تدّعي العلمانية، وما يتعرضون له من القتل والتمثيل والتهجير وتأجيج الصراع الذي يروح ضحيته المسلمون كل يوم. وموقف المسلمين الأنغوليين ليس ببعيد، خاصة وأن الدستور الأنغولي لا يعترف بالإسلام كديانة.
ومع ذكرى الهجرة النبوية، لنتذكر أن المسلمين في العالم، مهما اختلف جنسهم وعرقهم ولونهم ولغتهم، تقع مسؤوليتهم علينا، وملزمون حسب المواثيق الإلهية بأن المسلمين أخوة برعاية مصالحهم ومتابعة شؤونهم، كما يفعل أصحاب الحروب الصليبية مع أخوتهم عقديًّا منذ الأزل.
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
01/10/2016
2320