+ A
A -
عندما أعود للوراء لسنوات طويلة مضت، لا أتعجب من قراري بإلحاق أطفالي في مدارس أجنبية في وقت كان فيه الجميع ينظر لهذا القرار بريبة وشك، وانما أتعجب من عدم تأثري بكل المحاولات التي بذلها المحيطون بي للتراجع عن هذا القرار، متعللين بحجج لا يخلو بعضها من الصواب، فكلفة هذا النوع من المدارس باهظة في وقت لم تكن تتحمل الدولة العبء الاكبر في دفع هذه التكاليف كما يحدث الآن ، كما لم يكن هناك مصدر للرزق سوى الراتب.. ولم يكن كافيا أيضا. لا أعرف حتى الآن كيف تدبرت أموري وكيف مرت تلك السنوات التي وقف معي فيها شريك الحياة ، وأحمد الله كثيرا على ذلك كما أحمده على كل شيء، ولم يحدث قط أن تأثرت بمدح فلانة لمدرسة ما.. وذم فلان لمدرسة ما.. كما لم أنسق وراء إغراء نقل أطفالي من مدرسة لأخرى تم افتتاحها أو سيتم افتتاحها كما يفعل الكثيرون الآن ، متأثرين بالدعايات الشفوية والمنشورة ، مدفوعين بالرغبة التي لا يجرؤ أحد على التشكيك في صدقها في أن يحصل أطفالهم على أفضل مما هو ممكن ومتاح، ومما لا شك فيه أيضا ان الانصياع لمثل هذه الاغراءات يحرم الاطفال من تكوين صداقات حقيقية ستنمو وتكبر معهم عاما بعد عام، وتحرمهم من الاستقرار النفسي بسبب تذبذب آراء «الكبار» وأصحاب القرار. أولياء الأمور.. كان تفكيري آنذاك محصورا في أمرين..أن يذهب اطفالي إلى المدرسة كما لو كانوا ذاهبين إلى نزهة.. وان يتعلموا بالاضافة إلى لغة جديدة تعليما جيدا يبقى في الذاكرة.... وعندما أعود للوراء أتذكر زميلاتي المتفوقات اللواتي كن محط إعجاب وفخر من الجميع-الأهالي والمعلمات وبعض الطالبات ، أتذكر سحنتهن الكئيبة وانعزالهن، وعدم قدرتهن على الضحك أو تبادل محادثة عادية مع زميلة أخرى خشية ضياع الوقت، وحساسيتهن الشديدة من أي كلمة أو عبارة عابرة تتفوه بها واحدة منا نحن الطالبات العاديات على سبيل الدعابة ، ولا تغيب عن بالي خطواتهن الثقيلة وهن يجرجرن حقيبة الكتب بإعياء في بداية النهار أثناء الذهاب إلى الفصل وفي نهايته حين يتجهن للباصات، المدرسة بالنسبة لهن سجن والمنزل سجن، ولا أدعي انني كنت أذوب حبا في المدرسة، لقد كنت أكره التلقين والحفظ الاجباري وكتابة الاجابات كما ترد في الكتب دون ان تضيف كلمة أو حرفا، والواجبات الثقيلة التي نكلف بالقيام بها حتى يحين موعد النوم.. كل يوم، وأمقت استبداد معظم المعلمات اللواتي حفظن عن ظهر قلب هذا البيت من الشعر «من علمني حرفا صرت له عبدا» ومارسن استعبادنا دون فهم أو وعي، لكنني كنت أحب بعض المواد وبعض المعلمات وبعض الطالبات، وكان هذا القليل من الحب يكفي لكي أنتظم في الدراسة، وان لم يمنعني من الاعتراف بأن افضل يوم من كل أسبوع دراسي هو يوم الخميس لأن اليوم الذي يليه هو يوم اجازة.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
26/09/2016
1108