+ A
A -
في الأخبار أن القوات الليبية عثرت في مقر تنظيم داعش في سرت، على عقد زواج لشخص يدعى أبومنصور التونسي بامرأة نيجيرية، بصداق مؤجل قدره: حزام ناسف! وفي عقد نكاح آخر كان الصداق المؤجل: بندقية كلاشينكوف! ليس هذا بالمستغرب في مسلكيات هذه الجماعات التي أصبح العنف راسخاً في بواطنها ومتأصلا في عقلياتها وصار تصرفا مألوفاً في معيشتها.
فالعنف زادها اليومي، تعيش به وعليه ولأجله، لا تستطيع هذه الجماعات أن تحيا بدون أعمال عنف، حتى إذا لم تجد عدواً من خارج صفوفها، تنفس به عن مشاعرها العدائية الكامنة في نفسياتها، وجهت عدوانها إلى من يماثلها في الفكر والمعتقد لمجرد أدنى خلاف، وإذا قيل قديماً إن الثورة تأكل أبناءها، فكذلك الفكر العنيف ينتج فكراً أعنف يقضي عليه ويتجاوزه، وبالمثل كافة تنظيمات العنف التي تتناسل وتتوحش وتأكل بعضها بعضاً، ولماذا نستغرب؟ بالأمس القريب، كانت حركة شباب المجاهدين، وهي ميليشيات متطرفة بسطت نفوذها في جنوبي الصومال، تقيم مسابقات في حفظ القرآن للأطفال الصغار.. هل تعلمون ماذا كانت الجوائز التي توزع على الفائزين؟ الكلاشينكوف هي الجوائز التي كانت توزع على الفائزين الصغار! وفي عرف جماعات العنف، أنه يجب تربية الصغار على ثقافة العنف وعدم الخوف من الأسلحة والأحزمة الناسفة والقنابل بهدف إعدادهم للجهاد والاستشهاد، بل وصل عنف هذه الجماعة أنها كانت تمنع الطلاب من المدارس وتجندهم لصفوفها، تعدهم بالجنة في الآخرة، والمال في الدنيا! وحتى في المدارس التي يقيمونها أو يشرفون عليها، فالعنف متأصل في مناهجها ويبررونه بأدلة شرعية وفتاوى دينية، ولماذا نذهب بعيداً؟ باكستان، الدولة التي انفصلت عن الهند، من أجل أن تقيم الشريعة الإسلامية وتحكم بالإسلام وتضع دستوراً إسلامياً، انتشرت فيها آلاف المدارس الإسلامية، تعلم القرآن والحديث والفقه، وكانت تحت سيطرة تنظيمات العنف في باكستان، التي لم تكن تسمح للدولة بالتدخل في مناهجها التعليمية، بحجة أنها دولة علمانية، وأن مشايخ هذه الجماعات هم الأقدر على معرفة ما يصلح للناشئة كتربية وتثقيف ديني... ماذا كانت النتيجة؟ خرجت هذه المدارس حملة سلاح ضد الدولة بحجة أنها لا تطبق الشريعة، وفق المفهوم المتشدد الذي تعلموه في مدارسهم، وأنها توالي الكفار الغرب وأميركا، وموالاة الكفار محرمة في الإسلام، طبقاً لما لقنوا به من قبل معلميهم المتشددين، لقد كانت هذه المدارس، الخاضعة لجماعات العنف، والبعيدة عن إشراف الدولة، المسماة إسلامية، في باكستان أو غيرها، وليس كل المدارس الإسلامية كذلك، تلقن الفكر العنيف لطلابها وتربيهم عليه وتدربهم على السلاح بحجة الجهاد، ولعلنا لا زلنا نتذكر مأساة طلاب الجامع الأحمر، قبل 8 سنوات، وتداعياتها، لقد حمل الطلاب السلاح وتحصنوا بالجامع وبدؤوا بإطلاق النار ضد قوات الكوماندوز الباكستانية التي حاصرت الجامع، رافضين الاستسلام، وفي حين فر إمامهم الشيخ عبدالعزيز الذي حرضهم، في زي امرأة، سقط الطلاب صرعى وجرحى، والأغرب أن أمهات هؤلاء احتشدن حول المسجد في الذكرى السنوية للمأساة، في إسلام آباد، وقد اصطحبن أطفالهن، وقد عصبن جباههم بعصابات كتب عليها شهادة لا إله الله، وهن يصرخن متعهدات بتنشئة أطفالهن على الجهاد وعلى الثأر من قوات الدولة.
ختاماً: كثيراً ما تساءلنا: لماذا هذا العنف الطاغي على مسلكيات هذه الجماعات؟ ولماذا ينجذب شباب صغار السن إلى دعوات جماعات العنف؟ وكيف يضحي شاب بنفسه ويتحول إلى قنبلة بشرية تنفجر في تجمعات أناس أبرياء لمجرد دعوة أتته من داعش؟!
علينا أن ندرك أن الحياة عزيزة على كل شاب وكل إنسان، وأنه لا يترك الحياة، ويلبس حزاماً ناسفاً، بدون رهبة، شاب لمجرد دعوة أتته، عبر النت، من هذه الجماعات، بتفجير نفسه، لن ينقلب شاب مسالم إلى مفجر عنيف بهذه السهولة، لابد من إعداد مسبق وطويل، منذ التنشئة الأولى في تلك المدارس التي تلقن الفكر العنيف وتبرره دينيا بنصوص، المناهج العنيفة كانت سباقة إلى احتلال عقل ونفسية هذا الشاب وأمثاله، والعقل إنما يحتله الأسبق إليه، مقولة المفكر السعودي إبراهيم البليهي.

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
26/09/2016
1824