+ A
A -

انتهت ميمعة الانتخابات الأردنية بشرها وخيرها، هلل الفائزون للديمقراطية الفذة، وشكا المهزومون من التزوير، والاثنان على حق فعلا وقولا. قررت ان أخرج نفسي من دبق ما بعد العرس الديمقراطي، كما تسميه الحكومة، ونزلت اتجول في وسط البلد في العاصمة الأردنية عمان.
اعتقدت في البداية ان الحكومة وزعت سماعات (بلوتوث) على ذوي الدخل المحدود، اذ رأيت الناس من حولي يتكلمون ويتكلمون مع كائنات غير منظورة، هذا يتغزل، وذلك يتكلم بجفاء واختصار (توقعت انه يحادث زوجته المصون) وذاك يسب ويشتم ويلعن.......في الواقع كان اكثرهم من الشتامين السبابين المنابزين بالألقاب والاسم الفسوق، وشرش الحياء المطقوق.
بعد التدقيق والتمحيص واستراق النظر إلى صيوان الأذن، اكتشفت انه لا يوجد لا سماعات سلكية ولا اجهزة لاسلكية (ولا حتى سلكة جلي). وإن آذانهم مستفزة حمراء أكثرها مزروع بالشعر والنتوءات غير المبررة، وبعضها يحمل النظارات، والأخرى مشرئبة لكأنها تناطح طواحين الهواء، وتلك متسعة كذمة مرابي، وهذه مزمومة كضمير تمساح.
من لا يصدقني فلينزل إلى وسط البلد، وفي أي مكان يشاء (حتى في سوق الذهب) وليراقب الناس. سيكتشف ان عدد المتحدثين عن انفسهم يتزايد على شكل متوالية هندسية. وقد كانوا في العام الفائت لا يزيدون عن اصابع اليد الواحدة وهم معروفون للجميع، ومن المبتلين بالأمراض النفسية.
طبعا أحد الأسباب الرئيسة لهذا التزايد المطرد في العدد والعدة يعود إلى ارتفاع اسعار كل شيء (عدا الأسكيمو الحمرا، أم الشلن)، حيث اصيب الناس بالفصام.. وضاعوا بين ما يتقاضونه من رواتب وبين متطلبات الأسرة والبيت...بين هذه العمارات الشاهقة والمشاريع الباسقة وبين هذا الانهيار العام والتآكل الذي اصاب، ليس الفقير وصاحب الدخل المحدود فحسب، بل ابتلع ثلثي الطبقة الوسطى على الأقل، ولا استثنى ثلة من المرضى النفسيين الحقيقيين، ويمكن تمييزهم بسهولة عن ضحايا الواقع المعيوش.
الحديث مع الذات هو بداية الاحتجاج... صحيح انه حالة نكوص وحيلة نفسية يتعاطاها المواطن حتى لا يصاب بالانهيار التام.... الحديث مع الذات هو بداية حديث اكثر حدة قد يطالنا جميعا..اذا استمرت هذه الحالة من تصاعد الأسعار وتآكل المدخولات.
في السابق قامت الماعز البري بأول عمليات تصحير وتعرية للغابات، لأنها كانت تأكل كل شيء في الغابة، وكانت تستسهل اجترار البسلات الصغيرة التي تنمو بقرب الأشجار الكبيرة، اذ كان يتوجب ترك هذه البسلات لتنمو وتحل محل الأشجار الكبيرة حينما تموت.. لكن من كان يستطيع ان يشرح للماعز هذه النظرة الاستراتيجية للأمور؟؟؟؟ بالطبع الماعز انقرضت مع انقراض الغابة....!!
هل نرضى على انفسنا ممارسة دور الماعز؟؟؟..
بقلم : يوسف غيشان
copy short url   نسخ
26/09/2016
847