+ A
A -
«في بعض الدول العربية، وعلى نحو مثير للدهشة، فإنك كلما قضيت وقتا أطول في الدراسة ووصلت الى درجات أعلى، قلّت فرصك في العثور على عمل»! عبارة تزرع اليأس بدل أن تشيع الأمل، لكنها للأسف حقيقة تفرض نفسها كجزء من واقع أليم يعيشه الشباب العربي في هذه الفترة الزمنية الصعبة والكئيبة.
وردت العبارة في دراسة مطولة نشرتها مجلة «إيكونوميست» اللندنية وجالت خلالها في ثنايا أزمة تتلخص في استمرار الحكام العرب بمعاملة الشباب على أنهم يشكلون تهديدا لهم، وبدل أن يساعدوهم، يلجأون إلى تخويفهم وإغضابهم وخلق الظروف لإشعال الثورة التالية.
وإذ ركزت الايكونوميست على أن الأجهزة الأمنية العربية لا تزال مرعبة وفعالة، فإن وجود الكثير من الفقراء والعاطلين يشكل وصفة أكيدة لعدم الاستقرار.
ولا يخفي الشباب رغبتهم في أن يكون حكامهم أقل فسادا ووحشية، وأكثر تعاطفا مع المرأة، عوضا عن احتقارها وإذلالها، وإشراكها في الحياة العملية عوضا عن تجاهلها.
وفيما أسهم الكثير من العوامل في تفجير الانتفاضات العربية عام 2011، والتي أطاحت بقادة تونس ومصر وليبيا واليمن وهزت أنظمة أخرى كثيرة، فإنه ما من شك بأن تلك الأحداث المعروفة باسم «الربيع العربي» كانت النتيجة الطبيعية لفشل الحكام العرب في تسخير الاحتجاجات الشعبية لإنجاز تنمية اقتصادية وبشرية، وليس الرد على الشباب الغاضب بالذخيرة الحية، كما فعل بشار الأسد ليسجل النموذج الأكثر سطوعا في هذا الإطار.
وفي ظل تحول الانتفاضات بسبب غباء الحكام وجهلهم وعدم قدرتهم على استشراف المستقبل، إلى حروب أهلية - وسوريا المثال الأهم أيضا - ساءت أحوال الشباب أكثر وأكثر، وأصبحوا يواجهون قمعا سياسيا متزايدا، وآفاقا أشد قتامة فيما يتعلق بفرص العمل وبناء الأُسر.
تقول الدراسة إن عدد الشباب الذين يذهبون إلى المساجد قلّ، فيما تزايدت الشكوك والمخاوف تجاه دور الدين في الحياة العامة، على ضوء وحشية تنظيمات إرهابية كداعش، قدمت نسخا مشوهة لا تمت بصلة، إلى الدين الحنيف الذي نعرفه.
وفوق ذلك، لم تعد دول الخليج العربي المبتلاة بأسعار نفط متدهورة، سوق عمل مغريا للشباب العربي في المشرق والمغرب، وإن كانوا مستمرين في الهجرة إلى الخليج بأعداد كبيرة نسبيا.
لكن الفوضى التي أفزعت المستثمرين في المنطقة، والإرهاب الذي دمر السياحة، دفعا الحكومات إلى مزيد من الإهمال لقطاع الشباب الذين اندفع كثير منهم إلى أحضان «الجهاديين» المزعومين، الذين يقدمون لهم رواتب وفرص زواج من «سبايا الحرب» وتكوين عائلات.
ورغم أن 78 % من الشباب العربي حسب استطلاع موثوق يرفضون دعم داعش والقاعدة، فإن النسبة المتبقية، تظل قابلة للاختراق على يد الإرهابيين، وهذه حقيقة مرعبة!

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
26/09/2016
1112