+ A
A -
كنت أفكر في ذاتي وأطرح عليها تساؤلا: هل أنا قرصانة؟ أم أنني أتهم ذاتي اتهاما شنيعا لا وجود له من الصحة؟ ربما تكون كل ادعاءات الملكية الفكرية هذه أوهاما خاصة وان أصحاب هذه الانتاجات الإنسانية لم يدافعوا عنها أو حتى يطلبوا تعويضا على تسريباتها المنتشرة!!، عزيزي القارئ تعيش الإنسانية اليوم تسارعا مذهلا نحو عالم الفكر والمعرفة، وقد أصبحت معايير قياس تقدم الأمم ورقيها بمقدار ما تملك من معلومات وتنتج من أفكار، بعد أن كانت تقاس بمقدار ما تملكه من قوة المال وترسانة السلاح، كما تشهد الإنسانية بمقتضى هذا التحول تقدما كبيرا ومتزايدا في الإنتاج الفكري والإبداعي، وقد نجم عن ذلك نمو مذهل في الحصيلة المعرفية، حتى أصبحت تنمو وتتضاعف خلال سنوات قليلة، بعد أن كان تضاعفها يحتاج إلى قرون، ذلك هو عصر المعلومات والتطور المعرفي الذي نعيش، والذي أخذت فيه المنتجات المعلوماتية تشكل أرقاماً اقتصادية ضخمة لها ألف حساب في الميزان التجاري ومعدلات الدخل القومي للأمم التي أحسنت استخدامها، لكن عجزنا عن تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية لا يؤهلها لدخول عصر المعلومات!!!!
عزيزي القارئ إن قوانين الحماية لحقوق الملكية الفردية، تشكل التربة الصالحة لدعم وتشجيع الإبداع والمبدعين في شتى الميادين، وما لم تدعم قوانين الحماية بوعي اجتماعي عميق، ترسخه في ضمير المجتمع منظومة فقهية تربوية إعلامية متضافرة، فإن هذه القوانين ستظل حبراً على ورق، وستظل قرصنة الأفكار في تفاقم وازدياد وستزداد المعاناة من فقر الإبداع، ومن الجمود والتخلف، فإن الدول التي تحمي حقوق الملكية الفكرية إنما هي تحمي مستقبلها الثقافي والحضاري وتحافظ على تقدمها العلمي والتكنولوجي في شتى الميادين.
إن الملكية الفكرية بأنواعها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان المتعلقة بالحيازة والامتلاك، بل هي أهم قوانين حماية الملكية الفردية، فليس هناك اعز على المرء من ثمرة أخرجها بفضل جده ونشاطه وأعماله الفكرية، في سبيلها ناله السهر الطويل وأضناه العمل الشاق والعسير ولما كانت عنده كل هذه الأهمية والقيمة الروحية والمادية فانه لما يؤلم الإنسان اشد الألم عندما يقع الاعتداء على هذا النوع من الملكية بالذات، بل الأكيد انه بمجرد شعوره بضعف أو انعدام حمايتها تفتر همته وينصرف عن الإبداع، من هذا المنطلق جاءت التشريعات الدولية والوطنية لحماية هذا الحق الذي به تتواصل وتيرة النشاط والإبداع والتطور وتحفظ لصاحبه حقه المعنوي والمادي وتشعره بالأمان الذي يدفعه دوما نحو المزيد، ونتمنى من الجميع المساهمة في الحفاظ على الملكية الفكرية لجميع المصنفات الموجودة كخلق وثقافة وأدب وتربية وأمان للمجتمع!
والآن لم يعد خافياً على أحد، استفحال ظاهرة قرصنة النشر، والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، فيتصيد قراصنة النشر أكثر الكتب إبداعا وانتشاراً، يعيدون طبعها وتوزيعها دون رقيب أو حسيب، فيحرمون المبدعين من استثمار جهودهم، ومن متابعة تطويرها وتنميتها، وإن سكوت أصحاب الحقوق عن جرائم الاعتداء على هذه الحقوق وتهاون الجهات المعنية في تطبيق القوانين، واعتماد آليات رادعة يشجع قراصنة النشر على استباحتها، والإساءة إليها مادياً ومعنوياً، كما إن ما يتعذر به قراصنة النشر من المغالاة في الأسعار بحد يفوق طاقة القراء الشرائية فيعمد القراصنة إلى سد الثغرة، بتوفير الكتاب وتخفيض سعره نيابة عن أصحاب الحقوق، مدعين شرف الغاية، ونبل المقصد، وخدمة الِعلم، ومتجاهلين الأثر المدمر الذي يترب على فعلتهم.
هذه المشكلة التي تستفحل ضمن ثقافة عامة مهيمنة، تسود المجتمع بكل فئاته، من القارئ إلى بائع الكتب، إلى الموزع، إلى المؤسسات الرسمية والثقافية والجامعات، وتدفع الجميع إلى الاهتمام بالسعر الأرخص، دون مبالاة بحق التأليف، إن إحلال ثقافة الاحترام لحقوق الملكية الفكرية محل ثقافة الاستباحة لها، لا يكفي له إصدار التشريعات الرادعة، بل لابد من إقراره في ضمير الأمة، وهذا يتطلب تضافر الجهود من جميع الأجهزة المعنية الإعلام والتربية والثقافة والتعليم العالي والإفتاء والقضاء.
كاتبة وباحثة أكاديمية

بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
23/09/2016
2592