+ A
A -

الظاهرة الأولى ان الحديث عن مشاريع التقسيم المستندة إلى الجغرافيا أو التنوع العرقي أو الاثني، يبدأ في أروقة السياسة والسياسيين القادمين من خلف الحدود، ويبدأ يتعاظم ويزداد تبريره من قبل هؤلاء اللاعبين الخارجيين حتى يتحول إلى الفرصة الأخيرة التي يهرول لها الجميع. لقد تكرر هذا السيناريو منذ قرار تقسيم فلسطين في العام 1947 مروراً في لبنان في العام 1982 والعراق في العام 1991 والعام 2003 واليمن في العام 2014وانتهاءً بسوريا في خلال في العام 2014. في هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أن مثل هذه المشاريع عادة ما يسبقها حالة من التدمير للقيم المشتركة في تلك المجتمعات إضافة إلى تدمير بنيتها التحتية بكل تفاصيلها الاقتصادية والمؤسسات. هذا التدمير الممنهج يستخدم كذريعة لتبرير تلك المشاريع واعطائها قدراً من المشروعية الزائفة.
الظاهرة الثانية: يبدو القلق من مشاريع التقسيم متفاوتاً في تلك المجتمعات كل وفق المصالح المتحققة له. هذا بالطبع يرتبط بمدى الرضى عن الوضع الراهن الذي يعيشه أي من تلك المجتمعات في المشرق العربي. مثل هذا القلق المحلي كثيراً ما لا يرافقه أي فعل أو إجراءات للتصدي لتلك المشاريع، وان ظهرت ردة فعل فهي إما متأخرة أو انها لأغراض إعلامية. وعلى الرغم من أن تلك المشاريع لا تأتي الا في سياق أو بعد أحداث كبرى تشهدها تلك المجتمعات مثل الربيع العربي على سبيل المثال، الا أن هناك حالة أقرب إلى الاستسلام أمام تلك المشاريع ومن يروج لها.
الظاهرة الثالثة، يصعب فهم الحديث عن مشاريع التقسيم وطريقة الترويج لها دون النظر إلى طبيعة الدولة ما بعد الاستعمار في المشرق العربي. فالدولة التي خرجت من رحم استعمار عسكري وسياسي، ولدت إلى حد كبير مشوهة في شرعيتها وفي حدودها وقدرتها على القيام بمسؤوليتها السياسية والاقتصادية نحو مواطنيها. إن غياب الموارد الاقتصادية اللازمة وكذلك حالة الفقر في الموارد الاقتصادية والاعتماد المفرط على جباية الضرائب دون ان تنعكس على حياة دافعي هذه الضرائب وتفشي الفساد بأنواعه المختلفة، كلها عوامل ساعدت على تعميق هشاشة المجتمعات وإضعاف علاقة المواطن بالدولة والفشل في بناء هوية سياسية جامعة تعزز مفهوم الوطن وتجعله يتفوق على أي هوية فرعية أخرى. ان تقوية اجهزة المناعة الداخلية للمجتمعات يبدو ضرورياً، لكنه لا يتحقق الا من خلال بناء هوية جامعة ومحاربة الفساد وتعزيز الشفافية بحيث يتحصن المجتمع ويصبح قادراً على الدفاع عن نفسه امام مشاريع التقسيم.
ان القلق بشأن مشاريع التقسيم الجغرافي لا يجب ان يدفع إلى نسيان الثمن الباهظ الذي يدفعه الملايين من البشر قبل وبعد تلك المشاريع. ان الحديث عن تقسيم العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان لا يجب ان يُنسي العالم الثمن الإنساني التي دفعته تلك المجمعات وهو بلا شك غير مهم من وجهة نظر تلك القوى التي تروج إلى تلك المشاريع. ان التقسيم النفسي الذي تم احداثه في المجتمعات يحتاج إلى عمل كبير أيضا لأنه مواجهة مشاريع التقسيم تلك يبدأ بمواجهة التقسيم والتشظي المجتمعي الذي تعاني منه كثير من مجتمعات المشرق العربي.
بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
21/09/2016
3186