+ A
A -
تُحاول بكين في لُجّة المُتغيرات الدولية اليومية والمتسارعة، إعادة التَّمَوْضع عالَمِيًّا، وخلق توازُنات جديدة وتفعيل مجموعة (بريكس) على المستويات الاقتصادية وحتى السياسية.
بكين، بدأت ومنذ العام 2014 تدشين مرحلة ما يُمكن أن نُسميها مرحلة استخدام القوة الناعمة أو الطرية، بعد أن كانت تنأى عن زج نفسها بشكلٍ مباشر في مجموعة الأزمات الدولية في مناطق التوتر العالمية، فكان همها الرئيسي، ومازال، العمل من أجل تطوير اقتصادياتها وتجارتها الخارجية، واستثماراتها، والحفاظ على وتيرة نمو سنوية دون تراجع. وتخفيف درجات الحضور في الأزمات العالمية.
فقد حاولت الصّين خلال العقود الماضية التأثير على المعادلات السياسية العالمية سياسيًّا واقتصادِيًّا، دون التصادم مع الولايات المتحدة أو الدخول في متاهات وزواريب تلك الأزمات، فطورت علاقاتها مع بلدان افريقيا وأميركا الجنوبية وكذلك مع حلفاء واشنطن.
من جهتها، تخوض الولايات المتحدة معارك سياسية واقتصادية مع الصين تحت الجمر المُتّقد، متخذة من التوتر في بحر الصين الجنوبي مُنطلقاً في الإحتكاك المباشر، حيث تَعبُر ثلث الشحنات البحرية العالمية مياه المنطقة إياها، وخاصة منها النفط والغاز المُسيّل.
إن بدايات وعلائم استخدام بكين للقوة الناعمة، والانتقال من المُتفرج في الأزمات السياسية الدولية إلى صاحب الدور في الأزمات العالمية ولو بحدودٍ معينة، بدأت مع استخدام بكين لحق النقض (الفيتو) أربع مرات متتالية في مجلس الأمن الدولي بشأن الموضوع السوري إلى جانب موسكو، وصولاً لتطوير علاقاتها العسكرية مع النظام في سوريا، حيث تُفيد المعلومات المُتسربة عن وجود درجة مُتقدمة من التعاون في هذا المجال، بما في ذلك تزويد دمشق بالعتاد العسكري والذخيرة، ووجود الخبراء والمستشارين.
إذاً، تدخل بكين الآن المعارك الاقتصادية والسياسية، وتحاول بناء تموضعاتها، عبر بوابات مُتعددة، للحفاظ على مصالحها، وذلك من خلال:
أولاً التقدم باستخدام «القوة الناعمة» وتبدو تجليات ذلك من خلال عدة مؤشرات، منها الدور الصيني المتنامي في ملف الأزمة السورية. ومنها اقدام بكين على العمل من أجل انشاء قاعدة بحرية في القرن الإفريقي في جيبوتي، ستكون الأولى للصين الشعبية خارج حدودها. ومنها تواتر قيام المناورات العسكرية الدورية مع روسيا، كما حدث المناورات البحرية التي جرت قبل أيام في بحر الصين الجنوبي، وشملت مشاركة سفن وغواصات وطائرات وطائرات مروحية وقوات من مشاة البحرية من البلدين، حيث جاءت تلك التدريبات في وقت يتزايد فيه التوتر في بحر الصين الجنوبي بعد أن قالت محكمة العدل الدولية في (لاهاي) في يوليو الماضي 2016، إن بكين ليس لها حقوق تاريخية في بحر الصين الجنوبي وانتقدت تدميرها البيئة هناك. ورفضت الصين الحكم كما رفضت المشاركة في القضية.
وثانياً قيام الصين بالتركيز على تطوير وتعميق علاقات التعاون الاقتصادي مع روسيا، والتوقيع على اتفاق (خطوط أنابيب الغاز وخطوط السكك الحديدية...) وعدة مشاريع اقتصادية ذات أبعاد استراتيجية.
وثالثاً من خلال السعي لتحقيق عدة مشاريع حيوية في المُحِيط المباشر (آسيا والمحيط الهادئ)، والمحيط الاقتصادي العالمي مثل (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير)، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، كبديل للمشروع المناهض للصين والمُتَمَثِّل في الشراكة الاقتصادية بين ضفَّتَيْ المحيط الهادئ، بإشراف وزعامة الولايات المتحدة. والعمل على رفع حجم التجارة بينها وبين بلدان ودول الشرق الأوسط كما وتخطط لإنفاق حوالي 50 مليار دولار لبناء خطوط حديدية وطرقات بَرِّيّة وخطوط أنابيب، لتصدير الإنتاج الصِّيني إلى أوروبا، عبر آسيا وإنشاء مَحَطّات تجارية في الوطن العربي وفي تركيا وإيران ومنطقة آسيا الوُسْطى والغربية... الصين تُحاول المبادرة، والتقدم في معاركها السياسية والاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة بحذرٍ شديد، دون ضجيج، ودون غبار... في معركة ستكون بعد عقد من الزمن معركة «كسر عظام» كما يتوقع الكثير من المراقبين... هي تقديرات ولكن.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
19/09/2016
6371