+ A
A -
العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن قضى معظم حياته- ليس في اكتشاف قوانين الجاذبية والحركة- بــل في محاولة إثبات تفوق الإنجليز على الألمان وأسبقيتهم في هذا الاكتشاف أو ذاك.. كانت أعظم صراعاته مع عالم الرياضيات الألماني جوتفر لبنتز الذي اكتشف حساب التفاضل والتكامل دون علم نيوتن- الذي اكتشفه أيضاً أثناء محاولته فهم علاقة المادة بالحركة-.
على أي حال؛ العوام مثـلنا يسعدهم وجود صراعات كهذه.. فـفي النهاية الصراعات العلمية ليست شيئاً مقدساً- وبالتالي يمكن تعديلها وتحسينها والإضافة إليها- كما تستفيد منها البشرية جمعاء- بصرف النظر عن جنسية أو وطن صاحبها-.
وكما كانت لنيوتن خلافاته مع لبنتز هناك أيضاً الخلاف الشهير بين عالم الأحياء والاس وزميله هبيز حول أصل الحفريات وتطور المخلوقات، وصراع عالم الجراثيم الفرنسي باستير- صاحب فكرة البسترة- مع زميله بوشي الذي تبنى فكرة التوالد من العدم التي أثبت باستير خطأها، وهناك أيضاً خلاف عالم النفس السويسري وانج مع زميله القديم فرويد بسبب تركيز الأخير على الجانب الجنسي كمصدر شبه وحيد للاضطرابات النفسية!
كما اختلف عالم الفيزياء هنري دافي مع مايكل فارادي- مخترع المولد الكهربائي- وكان السبب الحقيقي أن الثاني كان يعمل مساعداً للأول.. بـل إن والد جراهام بل- وكان عالماً مرموقاً في الصوتيات- اختلف مع ابنه جراهام الذي تفوق عليه واخترع جهازاً طالما حلم باختراعه «الهاتف».
ولا ننسى بالطبع الصراع بين داروين والكنيسة والعلماء المعارضين لفكرة تطور المخلوقات بعد نشر كتابه «أصل الأنواع».. وهي فكرة تسببت- ومازالت تتسبب- بمشادات كبيرة بين المؤيدين لفكرة الخلق والتطور، بـل وحتى بين الدارونيين أنفسهم مثل عالم الأحافير جوهنسن وصديقه القديم لكيز حول ما يدعى الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد!
وحين نعود إلى تراثنا العربي نجد بالمثل صراعات كثيرة- خصوصاً في الجانب الفقهي- حدثت إما بين عـلماء وسلاطين، كما حدث بين المأمون وأحمد بن حنبل، أو بين عـلماء وفقهاء معاصرين لهـم، كما حدث بين الطبري وابن حنبل.
ومن نماذج الخلاف بين العالم والسلطان الخلاف حول مسألة خلق القرآن التي تبناها المأمون وعذب ابن حنبل بسببها لكي يقبلها ويعلنها للناس.. وهناك الخلاف بين البيروني وأحمد الغزنوي الذي أسره وزجه في السجن- ونجح بالنهاية في استمالته-. وكذلك ابن سينا الذي اختلف مع والي بخارى في بداية حياته فقضى بقية حياته هارباً، ولا ننسى بالطبع خلاف البابا مع جاليليو حول دوران الأرض، وهي الفكرة التي اضطر جاليليو للتراجع عنها خلال المحاكمة خشية إحراقه بالنار ثم قال بعـد خروجه منها «ومع هذا ستبقى تدور»!
والحقيقة هي أن الصراعات العلمية ليست سيئة بحد ذاتها- على الأقل لغير المشاركين فيها- فهي تضيف وتنسف وتعـدل فرضيات كادت تصبح من مسلمات الوسط العلمي.. تصقل الحقائق، وتجعل النظريات أكثر رسوخاً، وتحتفـي بالمنتصر وتسقط المهزوم من كتب التاريخ.
المهم ألا يشترك فيها الرعاع ولا تتحول إلى عنف أو تنكيل كما حدث في تراثنا الإسلامي مع الطبري والبخاري والبيروني وابن حنبل.
بقلم : فهد عامر الأحمدي
copy short url   نسخ
17/09/2016
2539