+ A
A -
في قمة العشرين التي استضافتها الصين مؤخرا، وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما إصبعه على السبب الحقيقي الذي يعوق اتفاق روسيا والولايات المتحدة حول مصير الأزمة السورية، وذلك عندما تحدث بصراحة عن وجود أزمة ثقة بين الطرفين. وكان يشير بهذا التشخيص إلى أن أيا من الطرفين غير متأكد من صحة قراءة كل طرف للوضع الراهن ولا من صحة النتائج التي تترتب على كل المبادرات والجهود التي يبذلها كل منهما لتسوية الأزمة.
وواقع الأمر أن انعدام الثقة هو العنوان الأبرز لما وصل إليه الحال ليس فقط في الملف السوري، وإنما في مجمل ملفات الأوضاع المأزومة في المنطقة ككل، ولكن الوجه الآخر للعملة يحمل عنوانا لا يقل أهمية في تشخيص المشهد المؤلم الراهن وسبل الخروج منه.فإذا كان انعدام الثقة هو الوجه المعتاد، فإن أسباب انعدام الثقة هي الوجه الآخر غير المعتاد والمسكوت عنه حتى الآن، وهو المدخل الصحيح لتصويب مسار التعامل مع هذه الملفات الممتدة منذ أكثر من 5 سنوات.
شحذ الذاكرة لاسترجاع شريط الأحداث يعد ضروريا للتأكيد على تقلب المشهد من التهليل إلى الإحباط، وهو بداية الخيط في تفسير ظهور حالة عدم الثقة بين الأطراف المعنية وخصوصا بالنسبة للموقف الدولي. ودون العودة للجدل فيما إذا كان ما حدث مؤامرة غربية أم لا، فإن الثابت أن بذور الشك قد اندثرت منذ ذلك الوقت بين جميع الأطراف وعلى كل المستويات دولية كانت أم إقليمية أم وطنية. والسبب الرئيس وراء هذا التقلب هو عدم تحقق الأهداف التي اندلعت من أجلها رياح التغيير، سواء يصف البعض ذلك بالفشل أو بالتعثر الشديد، فأيا كانت التسمية النتيجة واحدة.
اتساقا مع موقف التهليل الغربي لرياح التغيير في المنطقة كان من المفترض أن يواكب ذلك تباعا دورا سياسيا وعسكريا غربيا يعززه ويتفق مع مبرراته، ولكن ذلك لم يحدث، لأن الدول الغربية لم تشأ أن تدفع ثمنا لهذا الدور مثلما يحدث في أي تحول استراتيجي لوضع ما في العالم، وعلى العكس من ذلك قررت من البداية أن تدفع شعوب ودول المنطقة الثمن ولا بأس أن يكون مكلفا للغاية!.
كان من الواجب على الرئيس أوباما، بل وعلى إدارته وإعلام بلاده أن يقر بالعوامل التي قادت إلى حالة انعدام الثقة بين الأطراف في المشهد العام كله وليس فقط بين الولايات المتحدة وروسيا في الملف السورى. لقد أدت هذه الحالة إلى خلق أوضاع مأزومة للغاية في المنطقة لن تفيد المجتمع الدولي، وفى القلب منه التجمع الدولي الغربي ولا الولايات المتحدة ذاتها. ولن تفيد الدول الإقليمية المعنية ولا الدول والمجتمعات الوطنية المعنية. وبما أن مصدر المشكلة تأتى من الموقف الغربي ذاته الذي أعطى مبررات عدة للجميع بأنه ليس موضع ثقة، فإن بداية تصويب مسار المشهد تبدأ منه أيضا خصوصا أنه أصبح مهددا بالتداعيات الخطيرة لفشل عملية التغيير في المنطقة (الإرهاب والهجرة غير الشرعية). وليس بالصعب على الدول الأوروبية الغربية مع بداية العام المقبل (تغير الإدارة الأميركية) أن تبادر بعقد مؤتمر دولي يضمها مع الولايات المتحدة وروسيا والدول الإقليمية المعنية ومنها تركيا وإيران والدول الوطنية المأزومة برياح التغيير بالإضافة للجامعة العربية (الأمين العام) للاتفاق على المستقبل السياسي للمنطقة ككل، ولا بأس أن يكون له جدول أعمال مفتوح يضع حدا لانعدام الثقة مسبقا، يليه جدول أعمال محدد ينتهي باتفاق ملزم حول حل سياسي مرض لكل الأطراف ويعيد الأمن والاستقرار. حصر الجهود في الطرفين الروسي والأميركي لن يفيد وفى أخف الأضرار يؤجل الحل بما يعنى استمرار المعاناة الإنسانية على أقل تقدير. مؤتمر كهذا لا يؤدى فقط إلى الخروج من شرنقة الشد والجذب الروسي الأميركي، وإنما أيضا إلى التخلص من أية احتمالات متوقعة لسايكس – بيكو جديدة.
بقلم : د. عبد العاطي محمد
copy short url   نسخ
17/09/2016
2625