+ A
A -
يضاعف قرار المحكمة العليا في رام الله بتأجيل الانتخابات البلدية من مأزق الفلسطينيين ويجبرهم على البقاء قسراً في مربع الانقسام والخلاف المستحكم بين القوى السياسية.
قد لا تبدو الانتخابات البلدية في بلد مستقر ومستقل بالحدث المهم، لكنها في الحالة الفلسطينية الفاقدة لمقومات الدولة والاستقلال والمنكوبة بالاحتلال والانقسام بين شطري الوطن الواحد، نقطة تحول يمكن البناء عليها لإعادة اللحمة الوطنية لمكونات الشعب الواحد وتنشيط دورة الحياة السياسية في الجسد الفلسطيني، والتي توقفت عن الدوران منذ أن دب الخلاف بين الفصائل الحزبية وافترقت الأجندة حول الحل المنشود للقضية الفلسطينية.
استند قرار التأجيل للانتخابات، التي كانت مقررة في الثامن من الشهر المقبل، إلى تبرير سياسي غير معلن بالطبع، مفاده أن نتيجة الانتخابات المتوقعة ستمنح حركة حماس حصة كبيرة في بلديات الضفة الغربية.. وهو أمر مرفوض إسرائيليا ويثير حساسية أطراف إقليمية فاعلة.
بهذا المعنى فإن إسرائيل وسواها من الأطراف الخارجية وداخل السلطة الفلسطينية ذاتها تريد للانقسام الفلسطيني أن يستمر.. وإن هذه الأطراف لاتزال تراهن على فرضية إقصاء طرف أساسي ومركزي في الساحة الفلسطينية.
ليس لهذه الفرضية نصيب في الحياة؛ فالواقع القائم لا يمنح فرضية الإقصاء فرصة للصمود.. وتبقى مثل هذه الأفكار محاولة يائسة لإعادة تشكيل المجتمع الفلسطيني، وإخراجه من سياقه التاريخي، وهذا بالأمر المستحيل.
لم يكن للانتخابات البلدية أن تبدل كثيرا في معادلة الصراع مع الاحتلال الصهيوني، لكن ملايين الفلسطينيين تحت الحصار والاحتلال الخانق يستحقون إدارة محلية تحسن من شروط حياتهم، وتعزز صمودهم في مواجهة الاحتلال، وترعي شؤونهم اليومية بكفاءة ونزاهة.
وعلى جانب آخر، كان لإجراء الانتخابات تحت الاحتلال أن يبعث برسالة للعالم، تؤكد أن الفلسطينيين شعب متحضر مثل سائر الشعوب، ويستحق دولة مستقلة على ترابه الوطني.
وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي، كان للانتخابات أن تحيي الأمل بالمصالحة الفلسطينية، وتبني جسور التواصل على الأرض الفلسطينية بين فصائل، لم تعد قادرة على التواصل مع بعضها البعض، إلا عبر وسيط خارجي.
ويقول مراقبون على صلة وثيقة بالمشهد الفلسطيني، إن تأجيل الانتخابات الفلسطينية يأتي في إطار ترتيبات أوسع نطاقا، ما كان لها أن تتحقق لو تمت الانتخابات البلدية، وأبرزها «تصنيع» قيادة فلسطينية بديلة للقيادة الحالية، تبدأ بتغييرات واسعة داخل حركة فتح، يتلوها عملية أكبر تشمل الصف القيادي في منظمة التحرير ومن ثم السلطة الفلسطينية، بما يستجيب لمتطلبات مرحلة جديدة تعقب انتخابات الرئاسة الأميركية، استنادا إلى تصورات مبدئية لإنعاش المسار التفاوضي الفلسطيني - الإسرائيلي، وفق شروط ومرجعيات سبق لعموم الشعب الفلسطيني أن رفضها.
لايزال الغموض يكتنف الخطوات المقبلة على الساحة الفلسطينية.. لكن تأجيل الانتخابات البلدية كان خدمة مجانية لإسرائيل، التي تسعى بكل الوسائل إلى تأبيد الانقسام الفلسطيني، وجعله واقعا دائما،لا بل تكريس الفصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة لإنهاء فكرة الوطن الواحد وفرض الأمر الواقع، بوجود كيانين فلسطينيين،لا تربط بينهما أية صلة؛ كيان محاصر في غزة، يعتاش على المساعدات الإنسانية، وكيان في الضفة الغربية، محاصر بالجدران العازلة، يقضم الاستيطان أراضيه كل يوم، لينتهي به الحال إلى مجرد مجاميع بشرية محشورة وسط غابة من المستوطنات، لا هوية ولا سيادة لها.
لم تقل القوى التي وقفت خلف قرار تأجيل الانتخابات للشعب الفلسطيني شيئا عن خطوتها التالية.لا شيء أبدا حيال المستقبل الغامض. ربما هذا ما يريدونه؛ إبقاء الفلسطينيين في العتمة، بلا أمل أو هدف، إمعانا في تيئسهم وإحباطهم، للاستسلام للأمر الواقع؛ واقع الاحتلال والتهويد والاستيطان، وفي ظل الانقسام، وتحت حكم قيادة شاخت واستسلمت للنهاية.
الفلسطينيون شعب جبار، لم ولن يقبل بالاستسلام.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
15/09/2016
2686