+ A
A -
عندما اُعتمدت «اتفاقية منع ومعاقبة الجريمة الجماعية» من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 09-12-1948 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 12 يناير 1951 تضمنت توصيفا لمعنى الإبادة الجماعية، باعتبارها ارتكاب أي عمل بنية الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما قومية أو إثنية أو دينية أو عرقية، وهذا العمل يمكن ارتكابه بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن ثم فإن الإبادة ليست محددة بالتصفية الجسدية، ولكن قد تكون بشكل غير مباشر من خلال إخضاع جماعة ما عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
فمفهوم الإبادة يشمل حالات التطهير العرقي ولكنه يتضمن أيضا تهيئة الظروف التي تفضي إلى اضمحلال المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية لجماعة بشرية معينة. وهو ما يعني ضمنا أن حالات الإبادة بأشكالها المختلفة تجد لها حضورا ضمن الممارسات القمعية للدول في علاقاتها الثنائية (مثل حالات الاحتلال) أو في ما تسلطه الأنظمة الاستبدادية من قمع على شعوبها.
وبعيدا عن القرار الاممي الذي أثبتت الأحداث انه في غالب الأوقات مجرد حبر على ورق وأن قابليته للتنفيذ مشكوك فيها. فالحالات التي تمت فيها محاسبة مرتكبي جرائم الإبادة معدودة ومحدودة وهي في غالب الأحيان محكومة بمنطق التوازنات والحسابات السياسية وربما هذا ما يفسر أن الجرائم الصهيونية أو الجرائم التي ارتكبتها الدول الكبرى(مثل الجرائم التي جرت في الحقبة السوفياتية أو ما اقترفته الولايات المتحدة من جرائم في العراق سواء أثناء الحرب أو الحصار)، أو جرائم كثير من الأنظمة القمعية مرت في صمت ودون محاسبة.
وفي المنطقة العربية اقترفت بعض الأنظمة جرائم تقترب من الإبادة الجماعية بشكل مباشر أو غير مباشر وهي في هذا تستفيد من بعضها بعضا، في استلهام دروس القمع والخروج دون محاسبة أو متابعة. وبعد الثورات العربية سنحت الفرصة لمحاسبة بعض رموز الاستبداد العربي ممن استأسدوا على شعوبهم ومارسوا أشكال الترويع والتجويع والتفقير على شعوبهم وليتمتعوا بعدها بحماية النظام الإقليمي أو الدولي.
فقد وجد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ملاذا آمنا ليستمتع بتقاعد آمن ومريح دون محاسبة تذكر على جرائمه التي اقترفها ضد شعبه. وهو ذات الأمر الذي رأيناه في اليمن حيث وجد علي عبدالله صالح فرصة الخروج من السلطة وبحاضنة إقليمية تدفع اليوم هي ذاتها ثمن سوء تقديراتها بعد أن تحول إلى شوكة في خاصرة مسانديه السابقين.
أما التجربة المصرية فقد تم إفشالها من خلال انقلاب عسكري حظي بدعم مالي وسياسي كبير من أنظمة دولية وإقليمية وليستمر في سياساته الكلاسيكية للقمع والاستبداد ولم تكن التجربة الديمقراطية سوى فاصل عابر في نظر حكام البلد وداعميهم.
بقيت أخيرا الحالة السورية والتي شكلت الصورة القصوى للإبادة الجماعية بمعانيها المختلفة اعني التصفية بمعناها المادي ولكن أيضا بوصفها تدميرا للبنى الاجتماعية والثقافية للشعب السوري بأكمله، وليستمر النظام في عنفه المادي والرمزي في ظل حماية إقليمية ودولية.
بقي أن نشير إلى أن المواقف السياسية التي تدعم الاستبداد وتبرره هي بصورة ضمنية إنما تدعم مشاريع للإبادة الجماعية سواء بشكل مباشر يدفع ثمنه الضحايا من أبناء الشعب المفقرين ومن المعارضين السياسيين أو من الناحية المعنوية حيث يتم بصورة تدريجية تدمير كل نزوع إلى الحرية أو رغبة في التغيير الاجتماعي والسياسي.
وسيحفظ التاريخ لكل دولة مواقفها من الثورات العربية بين الذين دعموا ثورات الشعوب وساندوها وراهنوا عليها وبين أولئك الذين وقفوا خلف الطغاة وقدموا لهم أشكال الدعم والمساندة، وهو ما سيبقى في ذاكرة الشعوب.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
13/09/2016
2863