+ A
A -
انعقاد قمة العشرين في العاصمة الصينية بكين، ولأول مرة في دولة مازالت مُصنفة بأنها دولة نامية، يأتي في سياقات واضحة من حضور وتأثير الصين على الاقتصادات العالمية، وعلى سوق التجارة والاستثمارات في العالم. فالصين التي تتبوأ المكان الثاني في الاقتصاد العالمي، مع امتلاكها المخزن النقدي الأكبر من الأموال الصعبة، ومازالت تطمح لكسب السباق مع منافسيها في هذا الميدان، وتحديداً في مواجهة الولايات المتحدة من جانب، ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي من جانبٍ آخر.
لقد عانت مجموعة دول الاتحاد الأوروبي كثيراً وهي في أوج مجدها وقوتها من مجاراة اقتصاد العملاق الصيني، وهو ثاني أكبر شريك اقتصادي وتجاري لها، حيث لم يَعُد بامكانها كبح جماح صعود الصين الاقتصادي والتجاري والاستثماري على المسرح العالمي.
كان الغرض من إنشاء الاتحاد الأوروبي العمل على دعم وجود وترسيخ حضور الدول الأوروبية في الاقتصاد الدولي. فوجود مؤسسات موحّدة تدعم إنشاء أسواق مشتركة وعُملة إقليمية سيكون في صالح الأمم المتنوعة في أوروبا. وكان الغرض من كل ذلك هو أن تخلق الدول الأوروبية كياناً عملاقاً قادراً على منافسة الولايات المتحدة والصين وغيرهما، بدلاً من سعي كل دولة إلى المنافسة بشكلٍ منفرد.
لكن الأمر مَرَّ بصعوبات كبيرة، فقد حَدَّ الحس القومي في أوروبا من قدرتها على التوحيد على الصعيدين الاقتصادي والسياسي بالرغم من وجودها تحت عنوان موحّد. ويتجلى ذلك بشدة في غياب العلاقة الموحّدة لدول الاتحاد الأوروبي مع الصين. فبدلاً من أن تتحد الدول الأوروبية للضغط في بناء علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين وفق سياسة موحدة، لم تتمكن المؤسسات الأوروبية من وضع سياسة مُنضبطة وبتناغم جيد تجاه الصين، فالشركات الصينية اشترت كل شيء في أوروبا على حد تعبير بعض الأوروبيين، بما في ذلك العديد من الأندية الرياضية.
وقد أنجزت الشركات الصينية خلال السنوات الأخيرة عدداً من صفقات الاستحواذ المُثيرة مع شركات أوروبية كبرى، وتسابقت تلك المؤسسات مع بعضها بعضاً في جذب الاستثمارات الصينية. وتقاطر زعماء أوروبا على الصين لزيارتها، بحثاً عن إبرام صفقات تجارية واقتصادية مُجزية، فيما مازالت الشركات الأوروبية تواجه قيوداً ثقيلة تمنعها من عقد صفقات مماثلة في الصين. ففي حين ترحب أوروبا بالاستثمار الأجنبي فوق أراضيها، فإن هناك غيابا لمثل هذه الحفاوة المطلوبة أوروبياً من جانب الصين.
إن خروج بريطانيا من مجموعة الاتحاد قلل ولو بشكلٍ محدود، من القدرة التنافسية للشركات الأوروبية مع الشركات الاستثمارية الصينية، وبدأت وكأنها لن تتمكن من مواجهة صعود الصين التجاري والاقتصادي إلا عبر الاستفادة من السوق الأوروبية الموحدة والكاملة. من جانب آخر، وعلى ضوء تلك الصورة وتفاعلاتها من التنافس الصيني مع دول الاتحاد الأوروبي، سادت حالة من التراجع في الاستثمار الخارجي الخاص في الصين منذ بدايات العام الحالي 2016 وحتى الآن، وهو ما يعني أن من مصلحة بكين تخفيف القيود على الاستثمار الأجنبي بشكلٍ أكبر من الموجود حالياً، وتوفير بيئة استثمارية تعمل على تشجيع الأوروبيين للاستثمار في الصين، توفير بيئة استثمارية مناسبة، تتمتع بها الشركات الأجنبية بالمزايا الممنوحة للشركات المحلية في الصين، وهو ما نرجحه، حيث يتوقع أن تقدم بكين عليه، وبالتدريج، فالصين في حاجة ماسة ليعود النشاط التجاري الدولي إلى سابق عهده، كما أنها في حاجة ماسة لبناء علاقات راسخة مع مجموعة دول الاتحاد الاوروبي ترتكز على أساس شراكة عالمية واستراتيجية متبادلة النفع. في ظل سياق دولي مُعقّد ودائم التغيّر، فالعلاقات بين الصين ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي تتجاوز إطار العمل الثنائي لتأخذ منحى دولياً.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
09/09/2016
1793