+ A
A -
يحذر العديد من المراقبين من مخطط كبـير لمنطقة الشرق الأوسط يعتمد فكرة التـقسيم والتجزئة على غرار سايكس بيكو وما قبلها وما بعدها! لا لشيء إلا لأن الاستعمار القديم عاد أو يحاول أن يعود بوجه جديد ليضرب الأوتاد عميقا في الأرض العربية الطاهرة! وظن المراقبون أن التـقسيم المقصود هو تـقسيم جغرافي أو سياسي لكن المفاجأة أن التـقسيم المخطط له تطور في الغرف المظلمة ليكون تـقسيما على مستوى الفكر والإيديولوجيا والعقيدة كذلك! مؤتمر الشيشان الذي عُقد مؤخرا بعنوان «من هم أهل السنة والجماعة»! كان مؤتمرا مثيرا للجدل من حيث المكان والزمان والعنوان والبـيان الختامي وكل شيء!
عُقد مؤتمر الشيشان في مدينة غروزني التي تـقع تحت سيطرة الدب الروسي ما يشير إلى سيطرة الدب ذاته على المؤتمر! وله ذلك فمن يملك الأرض والسماء ورقبة قاديروف يملك القدرة على تسيـير المؤتمر ومخرجاته ويستطيع كذلك الادعاء بأنه يمثل أهل السنة ولن يجد من يجادل ضده أو يرفض قوله! كيف يكون لغروزني التي خرجت من المحرقة الروسية ووقعت تحت الاحتلال الروسي أن تـنظم مؤتمرا جدليا يتطرق لمواضيع فكرية وإيديولوجية بطريقة مستـفزة للعديد من الدول والجماعات الإسلامية؟ الشيشان تحت الاحتلال الروسي فهي ليست محايدة ولا مؤتمرها المشؤوم محايد كذلك!
كان مؤتمر الشيشان مستـفـزا للعرب والمسلمين من حيث الزمان والتوقيت! عُقد المؤتمر في وقت تـزامن فيه مع الحرب الظالمة التي تـشنها روسيا الاتحادية وأعوانها على الشعب السوري لغرض مساعدة نظام الأسد والميليشيات المتحالفة معه للسيطرة على الثورة السورية والمقدرات السورية والأرض السورية! وتزامن المؤتمر مع القصف الروسي الغاشم الذي لم يوفر المدنيين السوريين العزل رجالا ونساء وأطفالا انـتـشرت صورهم ومآسيهم فزلزلت الضمائر الحية حول العالم لكنها لم تـزلزل ضمائر المؤتمرين في غروزني فلا يهمهم إلا مسألة تعريف «من هم أهل السنة والجماعة»؟! هل هذا وقـت الإثارة الفكرية والجدل العقيم!
عنوان مؤتمر الشيشان ومحتواه وبـيانه الختامي كانت كلها عناوين صارخة للاستـفزاز وأمثلة حية على جدل غير مفيد وطريقة مخابراتية للتـشتيت العقلي المقصود! ما هي الفائدة المرجوة من طرح سؤال يستهدف تعريف أهل السنة والجماعة مثلا بعد 1437 عاما من مسيرة الإسلام الخالدة؟ لا شيء! إنه العبث بهذه الأمة وعقيدتها وإثارة المسائل الخلافية لغرض سرطنة الصراع الفكري، بعد شيطنة الجماعات الإسلامية التي ما زالت تعاند الطوفان وتصر على المقاومة الحقيقية وليست المقاومة التي جعلت طريقها خراب حلب وقـتل أطفالها! يقال إن الجدل يستـفز العقل لكن الجدل حول مسائل سطحية أو هامشية في وقت تواجه الأمة الإسلامية فيه مخاطر عميقة يستـفز العقلاء!
لا يمكن الحديث عن مؤتمر الشيشان بدون الحديث عما سبقه وما سيأتي بعده حسب التوقعات ومسار الأحداث الساخنة في المنطقة! يواجه الإسلام السني (أهل السنة والجماعة) خاصة المنهج السلفي حربا شعواء على الصعيد العسكري والإعلامي والمالي/ الاقتصادي والفكري الخ، بشكل لا يمكن تجاهله أو اخـتزاله بمؤتمر صغير يعقد هنا أو هناك، المؤامرة أكبر!
التحدي العسكري للدول السنية كان حاضرا في حكاية احتلال العراق ومن ثم تسليم الحكومة العراقية بقضها وقضيضها إلى قادة ميليشيات يؤمنون إيما إيمان بما يسمى (ولاية الفقيه)! بل إن بعضهم قاتل كتـفا بكتـف مع الإيرانيين ضد الجمهورية العراقية أيام حرب الخليج الأولى! ثم تعاظم التحدي العسكري بما تـفعله القوى العظمى اليوم على أرض سوريا المجيدة حيث يجرى قـتل وتهجير الأغلبـية السنية لصالح أقلية حاكمة تجمع مرتزقة يحملون شعارات طائفية على الأرض وتحميهم من السماء طائرات روسية لم يعرف طياروها من عقيدة إلا عقيدة التـثليث، فحدث التوافق في الأهداف والاستراتيجيات رغم اخـتلاف العقيدة!
على الصعيد الإعلامي سبق مؤتمر الشيشان هجوم إعلامي كاسح ومنظم على السلفية أو المنهج السلفي في الصحف والمجلات وأعمدة الكّتاب والقنوات الفضائية الخ، ولعل الأشهر في هذا السياق برنامج «صناعة الموت» الذي تبثه قناة العربية عامدة متعمدة وتستهدف منه تـشويه السلفية بالذات، وقد أضافت إلى البرنامج مؤخرا بند شيطنة الإخوان المسلمين بعد التغيرات التي حدثت في أرض الكنانة ودول الربيع العربي عموما!
المتابع للأمور على المستوى الإقليمي أو الدولي لن تخطئ عينه رؤية الضغط الاقتصادي على السلفية من حيث تجفيف جميع أدواتها المالية حول العالم والضغط الفكري من حيث تعزيز كل الاتجاهات المعارضة أو المنافسة أو المختلفة ومن ذلك بث الروح في مقولات المعتـزلة المتكلسة وترقية الأشاعرة وأفكارهم كمنافس فكري وإعادة الحرارة إلى أطراف التصوف التي كادت تـتجمد!
الحرب طويلة ويـبدو أن مؤتمر الشيشان ليس سوى شرارة فكرية سيأتي بعدها الكثير من الحرائق والنيران!

بقلم : د. صنهات العتيبي
copy short url   نسخ
06/09/2016
3158