+ A
A -



من غير الممكن إنكار العلاقة التاريخية بين الشأنين الديني والسياسي في صورها المتعددة وباختلاف المذاهب والأديان والعقائد وتنوع المجتمعات والدول، وربما كانت المنطقة العربية البيئة الأكثر خصوبة لحضور السلطان الديني في تواشجه مع السلطان السياسي نظرا لعوامل تاريخية تعود لنمط تشكل الأمة العربية في أحضان الهوية الدينية إلى الحد الذي دفع فيلسوفا اجتماعيا مثل ابن خلدون إلى القول «إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة..».
وهو موقف له ما يؤيده من حيث الشواهد التاريخية أو من حيث الوقائع السياسية الراهنة حيث لعب الخطاب الديني دورا أساسيا في بناء الأنظمة السياسية حتى أكثرها علمنة وعداء لما هو ديني. وفي ظل هذا التداخل بين الديني والسياسي تظهر إشكالية تعامل الخطاب الديني مع قضايا السياسة ومحاولة بعض القوى الدولية تدجين الخطاب الإسلامي خدمة لأهدافها الاستراتيجية في المنطقة ومن اجل مزيد من تأزيم الأوضاع ومضاعفة حالة التشظي التي تعيشها الدول العربية الإسلامية.
ويمكن في هذا السياق فهم طبيعة المؤتمر الذي انعقد مؤخرا في غروزني عاصمة جمهورية الشيشان برعاية رسمية من رئيسها التابع لموسكو وبالتنسيق مع مؤسسة دينية يديرها أشخاص محسوبون على الطُرقية والمجموعات الصوفية. وإذا كان العنوان المعلن للمؤتمر هو «مَن هُم أهلُ السُّنَّة والجَماعة، بيانٌ وتوصيفٌ لمنهجِ أهل السُّنَّة والجَماعة اعتقادًا وفِقهًا وسلوكًا، وأثَر الانحرافِ عنه على الواقِع»، فإنه من الواضح أن الغاية هي ترسيخ أشكال من التقسيمات المذهبية والتصنيفات الطائفية والهدف هو إقصاء أطراف إسلامية بما يتجاوز الصراع السياسي، أعني وصولا إلى منطق التكفير والإخراج من دائرة العقيدة. وربما كانت الشعارات العامة للمؤتمر تتعلق بمحاربة أفكار الكراهية والإرهاب والعنف فقد وقع المؤتمر في ما أراد أن يحذر الناس منه. بمعنى أن سلب صفة الإيمان لجزء من الأمة ووسمهم بالإرهاب والتطرف والغلو إنما هو في النهاية توصيف ديني لخلاف جوهره سياسي.
والحقيقة أن الميل إلى دعم الصوفية والجماعات المماثلة لها والمرتبطة بها ليس خيارا روسيا فحسب بل هو سياسة غربية معلنة وهو ما نجد تأكيدا عليه في تقرير مؤسسة «راند» الأميركية لسنة 2007 حيث يفصل التقرير (في الفصل الخامس) من أطلق عليهم الشركاء المحتملين في محاربة ما سماه بـ«التطرف الإسلامي» وقد ضم التصنيف بالإضافة إلى القوى العلمانية من اسماهم «الصوفية والمعتدلين المتمسكين بالتقاليد» مؤكدا أن هذه القوى «وبسبب التضحية بهم بواسطة السلفيين والوهابيين، يعتبر الصوفية والمتمسكين بالتقاليد هم الحلفاء الطبيعيون للغرب لدرجة أنه من الممكن تأسيس أساس مشترك فيما بينهم».
غير أنه يمكن القول أن مؤتمر الشيشان الأخير يعتبر تحولا فعليا في الممارسة السياسية الغربية ضد الإسلام حيث تم الانتقال من فكرة «البحث عن حلفاء محتملين» داخل الأوساط الدينية وهو أمر قائم بالفعل ويمثله شخصيات محسوبة على الصف الديني أمثال مفتي سوريا الحالي علي الجفري وغيرهم إلى مرحلة إعادة صياغة المشهد الديني السني تحديدا والبحث في من يستحق تسمية مسلم ومن ينبغي إخراجه عن الدائرة الإسلامية. وهذا السلوك لم يجرؤ عليه حتى الشيوعيين في الزمن السوفياتي الذين اكتفوا بمنع التدين وإغلاق المساجد أما في المرحلة الحالية فقد نجد بوتين يدشن مسجدا ولكنه في ذات الوقت يسعى وبخبرته المخابراتية المكتسبة إلى إعادة تشكيل الدين الإسلامي وانتزاعه من جذوره وتحويله إلى مجرد ظاهرة طقوسية على الطريقة الكنسية ينحصر دورها في الطاعة وتبرير اشد أشكال العدوان والطغيان على النحو الذي تقوم به روسيا على الأراضي السورية.
بقي أن نشير إلى أن مجرد اجتماع كل هؤلاء المحسوبين على الخطاب الديني وتوظيفهم لخدمة أجندات مشبوهة لن يغير من واقع الأمور شيئا باعتبار أن الإسلام أكثر صلابة واشد تماسكا من أن يتم تغييره أو التلاعب به فتلك حكمة ربانية لا يمكن مجاوزتها.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
06/09/2016
3664