+ A
A -
من أجمل ما قاله الكاتب الفرنسي الغزير الكتابة «بلزاك» هذه الكلمات «لا شيء يمكن أن يدفعنا إلى الرغبة في الاستمرار وفي حب الحياة أكثر من تلك المفاجآت السعيدة.. إنها أشبه ما تكون بحجر يرتطم بنافذة الحياة المغلقة التي لفها الملل والروتين، فلا نلبث أن نرى الضوء ينبعث من جديد وبقوة، من الفتحة التي أحدثها الحجر في الزجاج المكسور» وفي كتاب «الطفل والأسرة والعالم» يروي المؤلف قصة الزوج الذي كان يتصور أنه لا يمكن لاي شيء أن يغير شكل أو أسلوب الحياة التي اعتادها منذ ارتبط وأصبح أبا لطفلين، عاش هذا الزوج في بيت صغير مع عائلته، وكان أقصى ما يصبو إليه أن يحصل على مكافأة من الشركة التي يعمل بها في نهاية كل عام، ومرت عشر سنوات وهو يبذل كل جهده في العمل، قانعا بحياته على الرغم مما تتصف به من رتابة وبلادة، أما زوجته فقد كانت أسعد منه حالا، كان شغلها الشاغل تربية الطفلين، والعناية بالمنزل والحديقة، وتوفير الراحة لشريكها المتعب من العمل طوال اليوم، وبالرغم من رضاها وقناعتها كانت تحلم بمنزل أكبر، وسيارة صغيرة توفر لها ولأسرتها نزهات لا تكلف الكثير، ومربية تساعدها لعدة ساعات في اليوم بأجر مقطوع، وليس غريبا بعد ذلك أن الاستسلام للروتين والاعتياد عليه يقتل بهجة الحوار والحب معا، لكن جد حادث غير حياة هذه الأسرة للأفضل، إذ خطرت للزوج وهو منهمك في أداء عمله فكرة، ما لبث أن سجلها على الورق، ودون تفكير أرسلها إلى مديره، وكانت المفاجأة أن المدير أعجب بها، وأرسل في طلبه، وبعد فترة كلفه بدراسة هذا المشروع عمليا، وهذه الدراسة تتطلب السفر على حساب الشركة للمدن الكبيرة والصغيرة التي تباع فيها منتجاتها، ولم يصدق الموظف أذنيه.. سيسافر لأول مرة، وسيصبح مهما.. وسوف يحطم بيده الروتين الذي عايشه لسنوات وسنوات.. وأسرع يزف الخبر لزوجته، التي لم تتردد في مصاحبته بعد أن دعت والدتها للإقامة مع أطفالها، وسافر الاثنان لمدة ثلاثة أشهر، نزلا في أفخم الفنادق، وشاهدا أماكن لم تخطر على بالهما يوما، وبات لديهما الكثير مما يجدر الحديث عنه والضحك منه، ونجح الزوج في مهمته.. وأصبح مديرا للدعاية والإعلان، وارتفع راتبه، وانتقل بأسرته إلى منزل أكثر اتساعا، واشترى سيارة مناسبة، وحقق أحلام زوجته التي لم تخرج عن حدود المعقول.. يقول المؤلف: إن مثل هذا الرجل كاد ينسى في وقت من الأوقات الصفات التي أثارت إعجاب زوجته به عندما ارتبطت به، أن الرجل يصبح لاعبا في سيرك عندما يتقدم لخطبة الفتاة التي يحبها، فهو خلال هذه الفترة يخترع المفاجآت السعيدة، وهو أعظم مصور لدنيا الغد التي تحلم بها شريكة دربه، ولكن ما أن يفوز بها، حتى يسقط عن الحبل الذي كان يقف عليه بقدم واحدة، وتخبو صورة البطل الذي أحبته تدريجيا حتى تكاد تختفي من مخيلتها، في عمله هو.. هو.. لم يتغير، في العمل يفكر وينتج، أما في البيت فلا يحتاج لأن يرهق ذهنه، ويصبح عدم التفكير عادة، تماما كما يصبح الذكاء والتجديد عادة يمكن رعايتها بالعمل المستمر، والبحث عن أساليب منوعة تغير من شكل الحياة وصورها.. النجاح في البيت هو سر النجاح في العمل وليس العكس، لقد نجح هذا الرجل الذي وردت قصته البسيطة في بث أنفاس جديدة في حياته وحياة من يحب.. إن اللحظات السعيدة المفاجئة كما يؤكد علماء النفس تحطم قيود الروتين، وليس شرطا أن تكون مكلفة أو شاقة على النفس.
دعوة للغداء أو العشاء مرة.. زجاجة عطر.. باقة ورد تفي بالمطلوب أحيانا، وهذه المفاجآت غير المتوقعة هي دواء يبحث عنه كل إنسان.. الرجل في عمله.. والزوجة في بيتها.. والأطفال في كل مكان وكل وقت.. إنه الدواء الوحيد الذي يجمع الأطباء على نجاحه.. فهو إكسير الحياة.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
30/08/2016
1804