+ A
A -
رغم مؤشرات أمل ظهرت على الساحة السورية، فإن البلاد ما زالت تنحدر إلى ما سبق وانحدرت إليه الحرب الأهلية اللبنانية ذات الخمس عشرة سنة، حين سادت في ذروتها المقولة الشهيرة «الجميع ضد الجميع».
لا حاجة لتعداد الحالات التي يتقابل فيها هؤلاء ضد أولئك، أو أولئك ضد هؤلاء في سوريا، ولا المرات التي تتبدل فيها المواقف والولاءات، غير أن اللافت أن تركيا هي التي تعيد رسم المشهد السوري، ليس فقط من خلال نجاحها في تحقيق مشروع المنطقة العازلة في الشمال، ولكن من خلال استخدامها الحرب على داعش وسيلة للانتصار في حربها الأهم، لتحجيم الأكراد.
وكان أردوغان قد استثمر عملية «درع الفرات» الأسبوع الماضي لتنظيف مدينة جرابلس من جميع المقاتلين الأكراد والدواعش في آن واحد، فاتحاً الشمال بمئات الجنود وعشرات الدبابات وقطع المدفعية والطائرات، دون إذن من مجلس الأمن أو حكومة دمشق.
وما من شك في أن أردوغان حظي بموافقة اللاعبين الأساسيين على حملته العسكرية، لكنهم ليسوا راضين جميعاً عن عمليته الخاطفة التي نجحت في تعطيل خطة الأكراد إقامة كيان كردي شبه مستقل في الشمال السوري المحاذي لتركيا. ويفهم من تكرار أردوغان حرصه على وحدة الأراضي السورية، حرصه أيضاً على منع قيام كيان كردي في الشمال يهدد الجنوب التركي.
ويمثل حصول تركيا في بضعة أيام على منطقة عازلة وخالية من مسلحي داعش والأحزاب الكردية في الشمال السوري ضربة كبرى للأكراد، ودهاء برهن عليه أردوغان من دقه إسفيناً فصل بموجبه الكانتونين الكرديين في كوباني وعفرين اللذين كانا على وشك التلاحم الجغرافي.
وثمة من يقول في خضم هذه «الخبصة» التي تميز الحروب الأهلية عادة، أن فلاديمير بوتين أرخى الحبل لأردوغان كي يعطل مشروع الاستقلال الكردي، مقابل موافقته على بقاء بشار الأسد في السلطة مرحلة انتقالية قصيرة لا يجوز أن تفضي إلى انتخابات يشارك فيها بشار.
هذه الفترة المحدودة قبل بها الروس والأميركيون كما يبدو، وربما بقية اللاعبين ما يعني على أرض الواقع أن «عصر الأسود» في سوريا يسير نحو الانتهاء، خاصة أن السُنة السوريين الذين يشكلون «85 %» من سكان البلاد لا يقبلون العودة مهما كانت الظروف، إلى حكم الأقلية العلوية.
وإذْ نأمل ألا يعرقل شيء مفاجئ مثل هذه النتيجة العادلة، فإن الدور المركزي الذي حصل عليه أردوغان في سوريا، برضى روسي وأميركي، يشي برغبة موسكو في استمالة تركيا خارج إطار الناتو، ورغبة واشنطن في إرضاء أنقرة بعد موقفها المتخاذل خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الرئاسة التركية.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
30/08/2016
888