+ A
A -
يعيش لبنان مؤخراً في دوامة قاتلة؛ لا رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنتين، ومجلس نواب معطل لا يشرع، ونواب يمددون لأنفسهم دورة كاملة (2013 - 2017) على دفعتين. كان لرئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان، ولكنها انتزعت منه بعد توقيع «اتفاق الطائف» عام 1989 ولم يعد بإمكانه سوى أن يطلب ذلك من مجلس الوزراء. واستطراداً، فإن الحكومة المؤلفة من معظم القوى السياسية واقعة أسيرة مصالحهم وخلافاتهم وعجزهم، وحتى فساد بعضهم، وهي بالتالي مشلولة بالكاد تقوم بتصريف الأعمال.
وفي ظل غياب رئيس الجمهورية، كما هي الحال اليوم، ينص الدستور على أن يقوم مجلس الوزراء مؤقتاً بممارسة صلاحيات الرئيس، وانطلاقاً من هذا الواقع البائس ابتدعت بعض القوى السياسية شرط موافقة جميع الوزراء (عددهم 24 في الحكومة الحالية) أي الإجماع (؟!) على أي مرسوم أو قرار يصدر عن الحكومة، لكي يكتمل هكذا المشهد سوريالية.
وهذا ما أوقع الحكومة في شلل تام، وزاد عليه شلل آخر وأخطر، فرضه وزراء «التيار الوطني الحر» (الذي يتزعمه قائد الجيش السابق ميشال عون)، يقضي بوقف انعقاد مجلس الوزراء إذا قاطعه ممثلو طرف سياسي واحد أو طائفة معينة،علماً أن الدستور ينص على أن اتخاذ القرارات «الوطنية» أو «الميثاقية» (عددها 14 محدداً في الدستور) يلزمها موافقة ثلثي مجموع الوزراء وليس الإجماع، أما العادية فتقرر بالنصف زائداً واحداً، كما أن انتفاء الشرعية عن أي جلسة يفرضها تغيب الثلث زائداً واحداً من مجموع الوزراء وليس مقاطعة طرف معين، وهذا ما فعله قبل أيام الوزراء «التيار العوني» الذين هم فقط ثلاثة من أصل 24. غير أنهم يحاولون استغلال الموقف وتوظيفه طائفياً بالكلام عن «خلل ميثاقي» وطعن بالشراكة بين المسلمين والمسيحيين.
غير أن هذا التعطيل الدستوري والدوران في الحلقة المفرغة هو ناتج أساساً عن إرادة تعطيل سياسية، تهدف إلى وضع يدها على السلطة أو التحكم بها على الأقل، وربط لبنان بـ «محور الممانعة» الإيراني- السوري- «الحزبللاوي» أو بالحد الأدنى جعله رهينة له؛ فقد بدأت سياسة التعطيل التدريجي منذ أن تورط «حزب الله» في القتال في بداية عام 2013 إلى جانب بشار الأسد ضد الشعب السوري، عندها سارع إلى الموافقة على تشكيل حكومة برئاسة تمام سلام، الذي رشحه سعد الحريري و«فريق 14 آذار» بعد أزمة حكومية دامت نحو أحد عشر شهراً، ووافق على حصة لا تتجاوز ثلث عدد المقاعد الوزارية (الثلث المعطل) له ولحلفائه معاً بما فيهم «التيار العوني».
قبل «حزب الله» يومها بهذه الصيغة لأنه كان يريد حماية ظهره، فيما هو يقاتل في سوريا، أي الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار الداخلي، طالما أن إيران برأيه ستفرض شروطها في أي تسوية وهو ملتزم بالقرار الإيراني، بعدها كرت سبحة التعطيل وأصبح كل شيء، بدءاً برئاسة الجمهورية، وانتهاء بقرار سحب النفايات من الشارع وتقاسم الحصص، رهينة لمصير الحرب في سوريا.
وراح الفريق «الممانع» والمعطل وإعلامه يراهن بشكل شهري على الحل الآتي- طبعاً لصالحه- من المعركة التي تكون قائمة في ذلك الشهر، لا فرق إن كانت في حلب أو في درعا أو..، والتي طبعاً سينتصر فيها جيش الأسد وسيتم بالتالي فرض عون رئيساً للجمهورية، وسيبقى بري في رئاسة البرلمان، طالما لم تتوافق القوى السياسية على قانون انتخابي جديد، وبالتالي لن تكون هناك انتخابات برلمانية.
ومع اشتداد الحصار على حلب والضغط الروسي- السوري من أجل إسقاطها، بلغ التهويل والابتزاز على الحريري مبلغهما والترويج بأنه سيقبل بعون رئيساً مقابل «الموافقة على عودته» إلى رئاسة الحكومة..
سقط الحصار، ولكن الدوامة مستمرة وعون ما زال ينتظر وعد الرئاسة مثل «وعد إبليس بالجنة»!
سعد كيوان
copy short url   نسخ
30/08/2016
2361