+ A
A -
أثارت زيارة المطرب التونسي صابر الرباعي إلى الأراضي الفلسطينية ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بالنظر إلى ما صاحبها من صور مع ضباط صهاينة على المعبر الحدودي بين الأردن وفلسطين المحتلة.
ولم تكن زيارة المغني التونسي لتثير كل هذا الاهتمام لولا عاملان احدهما متعلق بتبجح الجندي الصهيوني بنشر الصور والثاني بالتبرير الفج الذي قدمه المطرب المذكور حين ادعى انه لم يكن يدرك أو يعلم طبيعة الشخص الذي التقط معه الصورة وهو موقف اعتبره البعض أشبه بعذر أقبح من ذنب.
وليست زيارة صابر الرباعي إلى أراضي السلطة الفلسطينية وبالختم الصهيوني هي الأولى من نوعها فقد سبقتها زيارات كثيرة لفنانين وشعراء عرب ورجال دين إلى القدس المحتلة (منها زيارة علي جمعة وعلي الجفري) وكان المبرر الجاهز لدى جميع هؤلاء هو القول إن الغاية من الزيارة هو دعم صمود الشعب الفلسطيني في الداخل.
المشكل حين نجد بعض هؤلاء الزائرين يتورط في مواقف تصب في خانة أنسنة العدو وتقديمه بصورة راعي المقدسات المنفتح على الجميع والقادر على القبول بالآخر وهو ما يناقض الحقيقة تماما. فبالإضافة إلى صورة صابر الرباعي مع الضابط الحدودي نجد تصريحات رئيس احد مراكز الدراسات السعوديين ممن عادوا ليدافعوا عن أنفسهم بمنطق انه زار فلسطين للوقوف على أوضاع المعتقلين ومواساتهم.
المشكلة أن هذا التبرير لا يقنع أحدا ممن يفهم ولو قليلا في المسائل السياسية فاللقاء مع دوري غولد هو بالتأكيد ليس مما يمكن تصنيفه في خانة دعم الأسرى بأي حال من الأحوال.
ورغم أن العلاقات «الدافئة» مع العدو لا يمكن تبريرها تحت أي شعار إلا أنه من المنطقي أن نميز بين نمطين من الممارسة السياسية بمعنى أنه هناك فارق بين من ينسق مع العدو ويناور معه لضرب من يعتقد أنهم خصوم مشتركون وهؤلاء هم من المقاومة في غالب الأحيان لأن دولة الاحتلال أولويتها دائما هي تحجيم كل من يقاوم سياساتها وبين من يستفيد من وجود نوع من التواصل مع العدو من اجل تحقيق مصلحة للفلسطينيين على نحو ما سعت إليه الحكومة التركية الحالية على سبيل المثال رغم أن العلاقة بين الأتراك ودولة الاحتلال قديمة وليست من خيارات النظام الحالي.
كما أنه هناك فرق بين زيارة يقوم بها لواء سابق ليلتقي مع قيادات صهيونية والشعار هو دعم الأسرى وبين سعي دول إلى استغلال أي منفذ من اجل مناصرة الفلسطينيين ودعم صمودهم على نحو ما نراه من قرارات اتخذتها دولة قطر بدفع أجور الموظفين في قطاع غزة أو المساعدة على حل أزمة الطاقة في القطاع فهذه كلها خطوات لا يمكن أن نحكم عليها إلا بوصفها تثبيت للشعب الفلسطيني في أرضه ودعمه من اجل مواصلة الصمود.
إن المشكلة الكبرى في الخطوات التي يتخذها بعض الأفراد العرب سواء بقرار شخصي أو بدعم خفي من حكوماتهم إنما تكمن في خلق حالة من التطبيع العام والقبول بالجسم المحتل ضمن المعادلة في المنطقة بوصفه طرفا موثوقا وكيانا يمكن التعايش معه بل والتحالف معه تحت شعارات شتى وهو ما سيخلق نوعين من ردود الأفعال إما حالة تطبيعية لدى البعض ممن لا يرى غضاضة فيما جرى أو ردود أفعال غير محسوبة العواقب ممن يعتبر أن الصراع مع العدو هي الأولوية التي لا يمكن أن تسبقها أولويات مهما حصلت من تحولات أو تطورات على المستوى الإقليمي أو الدولي.
ولهذا فإن الخيارات الاستراتيجية ينبغي أن تكون خاضعة لحسابات دقيقة تضمن المصلحة ولا تبرر العدوان وهي ثنائية صعبة تحتاج إلى حصافة وحكمة في العمل السياسي.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
30/08/2016
2229