+ A
A -
تسليع جسد المرأة خطيئة لا ترضي العقلاء ولا المنطق ولا أي دين، وعلى الرغم من ذلك لا تخلو شوارع اهم الحواضر الاوروبية من صور نسائية شبه عارية للترويج لسلع وبضائع، فلا يهم المعلنون توظيف الاباحية في اعلاناتهم، بل الاهم من كل شيء هو ان تدر هذه الاعلانات أرباحا، ومن ثم علينا الا نستغرب ان يسمح في شوارع اوروبا بظهور نساء الحركة الفيمنية، وهي حركة نسائية أوكرانية بالاصل سلاحها التعري للاعتراض السياسي، بينما يعترض الاوروبيون على ملابس النساء العربيات المحتشمات، وكأننا في عالم جن عقله وفقد رشده.
احدث فصول هذا العوج الاخلاقي، والمجون الاجتماعي اعتراض المنتجعات الساحلية الفرنسية على ارتداء المرأة العربية «البوركيني»، وهي ملابس السباحة للنساء المحتشمات التي تغطي الجسم كله ما عدا الوجه والقدمين واليدين، علما بأن ملابس «بوركيني» ظهرت لأول مرة في العقد الماضي في ألمانيا، ولم يكن هناك اعتراض ظاهر عليها، حيث كانت ترفض النساء المسلمات الألمانيات بأعداد كبيرة حضور دروس السباحة، لأن الأمهات لا يردن أن ينظر الغرباء لبناتهن، ولحل هذه المشكلة قام مواطن أسترالي من أصل لبناني بتصميم هذا «البوركيني» حيث يتكون من كلمتي «البرقع» و«بكيني».
والغريب ايضا ان الاقبال على شراء «البوركيني» من الشركة الاسترالية الام المصنعة له قد زاد بنسبة 200%، ما يعني ان هناك تحديا قويا على الاعتراض الغربي، على الرغم من ان الشرطة الفرنسية أجبرت سيدة على خلع البوركيني واستبداله بالبكيني، مما استدعى من إمام بفلورنسا إلى الرد على الحملة المناهضة لـ«البوركيني» بصور لراهبات بالبحر يرتدين ملابس غاية في الاحتشام وهن على الشواطئ.
الاغرب من كل ما أسلفناه ان 20 بالمائة تقريبا من زبائن البوركيني في بريطانيا غير مسلمين، ما يعني ان هذا الرداء المحتشم قد لاقى قبولا يزداد وقتا بعد آخر، والاغرب ايضا أن جماعات يهود بريطانيا، قد أدانت سياسات الحكومة الفرنسية بالتضييق على نساء مسلمات بحظر ارتداء «البوركيني» في 15 مقاطعة فرنسية، بل اعلنت الجالية اليهودية الرئيسة بفرنسا نفسها كذلك في بيان لها، عن قلقها العميق لرؤية ضباط شرطة فرنسيين يجبرون امرأة مسلمة على خلع «البوركيني» دون أدنى احترام لحقوق الآخرين أو حق الاختلاف.
يمكن للمرء ان يتفهم مخاوف الإسلامفوبيا التي تجتاح فرنسا بعد حادث «نيس» الإرهابي البشع، وحوادث أخرى سبقته وتلته، وهي الجرائم الإرهابية التي يرفضها ويدينها أي عاقل ومتحضر، ولكن لجم الإرهاب واجتثاثه لا يكون بحظر البوركيني، بل باجراءات اخرى تكون كما بقعة الضوء التي تباغت دواعيس الظلام المحتضنة الخلايا النائمة وغير النائمة لهؤلاء الإرهابيين.
لا يقول احد ان البوركيني لو كان تصميما فرنسيا وليس استراليا، ما كان قد لقي غضبة بلد الازياء والعطور بمثل ما تغضب عليه، ومع ذلك لماذا لا ندعو مصممي الازياء الفرنسيين ان يضيفوا من لمساتهم على البوركيني، دون الاخلال باحتشامه، لربما ان هذه اللمسات الفرنسية تضاعف الاقبال عليه في فرنسا قبل أي مكان آخر في العالم، ولتشتعل منافسة قوية بين البوركيني الفرنسي ومنافسه الاسترالي، فليتنافسوا ويتنافسوا ويتنافسوا، ليكسب المحتشمون وكل راغبي الحشمة.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
30/08/2016
1109