+ A
A -
بسماحها للطائرات الروسية باستخدام قواعد عسكرية إيرانية للقيام بعمليات عسكرية في مدينة حلب السورية تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد تجاوزت الخط الأحمر الثاني الذي ألزمت نفسها به في الدستور. المعلوم أن الخط الأحمر الأول هو إرسال قوات عسكرية إلى خارج الحدود والمقصود هنا إرسال قوات لمساندة نظام بشار الأسد.
أثارت الخطوة الإيرانية بالسماح للطائرات الروسية باستخدام القواعد العسكرية الإيرانية موجة من الاستغراب والانتقاد حتى داخل مجلس الشورى الإيراني. فالنائب حشمت الله فلاحت طرح في مجلس الشورى سؤالاً للحكومة حول السماح لروسيا الاتحادية باستخدام قواعد عسكرية إيرانية مستدلاً بالمادة 146 من الدستور الإيراني التي تقول «إن تأسيس قواعد عسكرية أجنبية في إيران ممنوع حتى وإن كان لأغراض سلمية».
بالطبع الحديث يتم عن تأسيس وليس استخدام قواعد عسكرية إيرانية، هذا ما أسعف رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني في الرد على النائب مدافعاً عن القرار ومحيلاً النائب إلى فقرات المادة 110 من الدستور والتي تتعلق بالأمن القومي الإيراني. هذه المادة تبحث في القيادة السياسية الإيرانية لإيران وتحديداً مرشد الثورة. وفي الحقيقة جميع فقرات هذه المادة تتحدث عن اختصاصات المرشد التي تبدو إلى حد كبير مطلقة ومختلط فيها ما هو سياسي بما هو ديني. في الحقيقة رد لاريجاني يبدو وكأنه يرسل رسالة سياسية واضحة حول ضرورة تجنب مناقشة المسائل المتعلقة بسوريا، فالحديث عن المادة 110 هو تنبيه إلى أن تلك صلاحيات المرشد التي لا يجوز للبرلمان طرحها للتساؤل.
اللافت للانتباه هو ربط استخدام القواعد العسكرية الإيرانية من قبل روسيا في الهجوم على حلب بعد التراجع العسكري الذي واجهه النظام السوري وحلفاؤه في حلب، ربطه بالأمن القومي الإيراني. ربط ربما كان ضرباً من المستحيل توقعه قبل بضع سنوات. لقد بدا واضحاً أن الجمهورية الإسلامية قد استجمعت زمام أمرها فيما بتعلق بالتدخل العسكري في سوريا من خلال تنسيق أكثر مع روسيا بعد أشهر طويلة من تفاوت المواقف بين الحرس الثوري والحكومة وكذلك داخل الحرس الثوري إلى لم يكن يرغب أن تقطف روسيا ثمرة العلاقة الإيرانية الروسية بمزيد من تحسين وضعها العسكري والسياسي في المنطقة.
الدليل على مثل هذا التغيير كان تعيين علي شمخاني في منصب «المنسق الأعلى للسياسات العسكرية والأمنية مع سوريا وروسيا»، هذا التعيين الذي ارتبط بحسم النقاش الداخلي الإيراني بين الأطراف السياسية والعسكرية، لكنه في ذات الوقت كان بمثابة إظهار تصميم إيران على تطوير العلاقة مع روسيا الاتحادية فيما يتعلق بسوريا.
بالطبع هذا التنسيق مرتبط بتراجع مطرد للقوة العسكرية للنظام السوري، وكذلك لحلفائه من حزب الله إلى الميليشيات الطائفية المختلفة. في هذا السياق ومع استعادة قوى المعارضة المسلحة زمام المبادرة في حلب بشكل لم تخطئه العين حتى من النظام السوري، تضع إيران وروسيا نفسيهما يداً بيد لمحاولة استعادة زمام المبادرة ولو بالحد الأدنى لطرف النظام لتحسين وضعه في أي مشهد تفاوضي متوقع في شهر سبتمبر.
تحاول إيران القول إن حلب محطة مهمة لتحقيق الأمن القومي الإيراني، فتمكن المعارضة المسلحة من السيطرة عليها سيلعب دوراً كبيراً في فرض شروط تسوية في صالح المعارضة السياسية، من هنا يمكن تفسير سماح إيران لروسيا لاستخدام قواعدها العسكرية لا سيما وأن الطائرات الروسية أكثر تقدماً ودقة في إصابة الأهداف مقارنة بالقوة الجوية الإيرانية.
ساندت إيران الرئيس السوري بشار الأسد أملاً في أن يبقى ضمن أي تسوية ولو لفترة انتقالية، لكن الأزمة انتقلت إلى مرحلة تسعى فيها إيران للبحث عن الحد الأدنى المتعلق بتسجيل نجاحات أمام مجموعات تسميها هي مسلحة وإرهابية، نجاحات جعلت موقفها تحت طائلة المسائلة الأخلاقية والانتقاد اللذين لا يبدو أنهما سيتوقفان قريباً.
بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
24/08/2016
2638