+ A
A -
عيلان ثم عمران ثم... من يكون «الرمز الثالث» ثم الرابع ثم الخامس لاستمرار مذبحة الشعب السوري؟ الطفل الكردي عيلان كان الصورة الرمز لمأساة الهجرة عبر البحار، والذي صدم الرأي العام الغربي، وعبد الطريق أمام موجات النزوح والتشرد والتكدس عبر طول الحدود الأوروبية؛ وكان في الوقت عينه إيذاناً بانفلات الوحشي «الداعشي» من عقاله زارعاً الموت والقتل والرعب في أوروبا.. وهو الوجه الآخر لصناعة الإرهاب التي يتقنها النظام السوري ويتقن تسويقها.
لم يكن عيلان بطبيعة الحال الضحية الأولى والوحيدة، فقد سبقه عشرات، بل مئات الأطفال الذين قتلوا خلال سنوات الثورة والحرب، وظلوا مغمورين مجهولي الهوية إلا من أحبائهم، ولم يحظوا باهتمام الإعلام وعدسات الكاميرا. يكفي التذكير بمن قضوا ضحية تنشقهم الغازات السامة الناتجة عن استعمال بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية وتراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن قرار اتخذه هو شخصياً وأعلنه هو صباح الأول من سبتمبر2013 بالتدخل لضرب آلة حرب النظام.
غير أن عيلان شكل «رسالة» قوية برمزيتها التي أصابت الضمير الإنساني، إذ إن هرب عائلته من قمع النظام لم يشفع له وينجه من الغرق على شواطئ بلد كان من المفترض أن يستضيفه ويحميه.. ومثل عيلان قضى أكثر من 2500 سوري من أصل 300 ألف عبروا المحيطات محاولين اللجوء إلى أوروبا التي تكفل بأمنها إرهاب «داعش»!
عيلان مات غرقاً قبل نحو سنة، وبالأمس عمران طفل سوري آخر ينجو من تحت الأنقاض ويروي ملحمة مدينة عظيمة تعبق بالتاريخ هي حلب.. انتشل حياً بعد أن تعرض منزله لقصف الطيران الروسي، في حي تسيطر عليه المعارضة.. كان عمران هادئاً لدرجة الجمود الشبيه بالتحنط.. هدوء مقزز رغم الدم الذي يغطي وجهه ويختلط بالغبار والركام اللذين مرّغا ثيابه.. هدوء صادم كأنه فقد أي إحساس بهول ما أصابه، أو شعور بالموت الذي قاربه أو بالمأساة التي تلفه.. وعلى عكس إيلان الذي كان «يغط» في موت أبدي، بدا عمران جامداً، فاقد الاندهاش، يكتشف دمه على وجهه وهو يحاول أن يمسح عينيه ويحاول نفض الغبار الذي امتزج بدمه وثيابه.. لم يستغرب لحاله ولم يبد أي هلع أو حتى إرباك، غير أن قوة الحياة كانت بادية في نظراته المحدقة والثابتة باتجاه من وما كان يقابله، وكأنه يريد القول «أنا هنا صامد أريد أن أعيش».. تماماً كما هي حال حلب المعذبة والمدمرة والصامدة تتحدى عربدة ووحشية الأسد وبوتين، غير آبهة بما حل بها، عاصية على الغزاة.
عمران يساوي حلب، هذه هي المعادلة. معادلة «الصمود» التي أدهشت الغرب والعالم، الذي تحركت مشاعره أمام مأساة عيلان الطفل المنساب على الشاطئ وكأنه نائم بعد أن لفظه البحر التركي.. ولكن هذا الغرب وجد نفسه أمام مشاعر من نوع آخر، أمام طفل يتحدى الموت والخطر، يُنتشل من تحت الأنقاض لا بكاء ولا صراخ، من دون أن يذرف ولو دمعة واحدة أو يرف له جفن.. فاحتلت صورته أربع أعمدة من الصفحة الأولى لصحيفة «نيويورك تايمز»! في حين أن 4500 طفل قد قضوا خلال حصار حلب وحرب محاولات السيطرة عليها، ولم يحظوا بأكثر من تعداد لهم في وسائل الإعلام.
لا شك أن الطفل عمران قد صدم مشاعر العالم؛ إنه الواقع الذي فاق التخيل والمخيلة وليس العكس.. ولكن مأساة الشعب السوري لا تعالجها أو تواسيها مشاعر التضامن، فأطفال سوريا يموتون مثل الكبار على أيدي النظام، إن في سوريا وعلى أرضها، أو في الخارج.. ونخشى بعد «الطفل الخامس الرمز» أن يفقد العالم أخيراً حتى الشعور بالدهشة!
سعد كيوان
copy short url   نسخ
23/08/2016
2646