+ A
A -
قبل أيامٍ قليلة، هاجم 300 مُستوطن يهودي بحماية 600 شرطي «إسرائيلي» مُسلح ساحات المسجد الأقصى، ودنسوا باحاته ورحابه واعتدوا على المُصلين، وأقاموا صلاتهم الخاصة على اعتبار أن الأقصى وباحاته هو مكان الهيكل المزعوم.
المسألة ليست بالجديدة، ولم تَكُن هي المرة الأولى التي يتم فيها مهاجمة الأقصى، وباحاته، واقتحامه، والدخول إليه بالمئات من المسلحين من المستوطنين وعسكر الاحتلال، لكن الجديد بالأمر أن الأمور باتت الآن تسير على سكة جديدة، عنوانها السعي «الإسرائيلي» الحثيث لإغلاق وتطويق مُربع الأقصى بالوجود المادي البشري لليهود المستوطنين حوله (ديمغرافياً) عبر تسريع عمليات تهويد الأحياء العربية في قلب القدس الشرقية وتطفيش مواطنيها، وإغلاق القدس وتطويقها من الغرب بالكتل الاستيطانية الجديدة، حيث تُشير المعلومات المؤكدة إلى أن قراراً «إسرائيلياً» اتخذ على أعلى المستويات لبناء مُستعمرات جديدة وفقاً لتوجهات رئيس الحكومة «الإسرائيلية» والائتلاف اليميني الحاكم، لتطويق القدس من الغرب بعد أن طوقتها كُتل المستعمرات من الشرق والشمال والجنوب حتى منطقة الأغوار، وهي الكُتل الاستيطانية الكبرى التي جرى بنائها على مدار السنوات المُمتدة بعد الاحتلال الكامل للمدينة في يونيو 1967. والقرار «الإسرائيلي» الأخير يقضي ببناء 2700 مسكن في مناطق غرب القدس والتي يُطلق عليها «الإسرائيليون» وحكومة نتانياهو منطقة غربي رام الله.
ومن المعروف أن مناطق غربي القدس كانت تَضُمُ أحياء عربية عريقة جرى تدميرها عام 1948 كحي القطمون والطالبية وغيرهما، وهي الأحياء التي كانت تتواجد فيها مُعظم مؤسسات حكومة فلسطين قبل النكبة أيام الانتداب البريطاني على فلسطين. إضافة لقرى وبلدات فلسطينية مُختلطة مجاورة لها، يقطنها مواطنون فلسطينيون من التابعية المسيحية والإسلامية، وعلى سبيل المثال قرية (عابود) الواقعة غربي القدس، والتي تحتضن إحدى أقدم كنائس العالم على الإطلاق، وهنا فإن الحكومة «الإسرائيلية» باتت الآن أكثر من أي وقتٍ مضى مُصممة على الاستيلاء حتى على المقدسات المسيحية الفلسطينية مرحلة مرحلة ولو على مسار زمني بطيء، وإلحاق الضرر بها، وليس على المقدسات الإسلامية فقط. إن أرض القدس تحتضن المغارة التي ولد فيها السيد المسيح وبنيت فوقها كنيسة المهد، وتضم مكان «العشاء الأخير»، وتضم كنيسة عابود، وتحتضن المكان الذي عرج منه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء بعد أن أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
في هذا السياق، علينا أن نُلاحظ، وأن نتفحص، وجود دعوات مُستترة، يجرى الترويج لها بهدوء ودون ضجيج من قبل بعض المجموعات اليهودية المُتطرفة، للعمل من أجل اقتحام كنيسة القيامة في القدس في منطقة باب الخليل، وعدم الاكتفاء بالمسجد الأقصى وباحاته، انطلاقاً من رؤيتها التي تقول بيهودية المدينة المقدسة بشكلٍ كامل، دون وجود أغراب (غوييم)، وهي دعوة تلقى آذاناً مصغية من قبل حكومة اليمين المتطرف داخل «إسرائيل» حتى وإن تمت معارضتها لفظياً من قبل البعض في «إسرائيل» خشية من ردود فعل الغرب الأوروبي، وعموم الهيئات الدولية.
وعليه، فإن قضية القدس، ليست، ولن تكون قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية عربية وإسلامية ومسيحية، وقضية الأحرار في كل العالم، هي قضية المسلمين الصادقين، وقضية المسيحيين الصادقين على امتداد المعمورة.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
19/08/2016
1627