+ A
A -
الصراع الدائم في المسلسل الكرتوني «توم وجيري» بين الفأر والقط يمثل الصراع الأبدي بين الخير والشر، وبين الصواب والخطأ، وبين الحق والباطل، وبين مع وضد، ولذلك كنت اتعاطف في صغري مع (جيري) في مواجهة (توم) حيث افرح في حالة انتصار الفأر واحزن في حالة فوز القط.
هكذا كان يصور لي عقلي وقتها.. ويبدو أن الأمر انعكس على رؤيتي للحياة وفق حلقات «توم وجيري» بأنه هناك خير مطلق وشر مطلق! بينما المسألة في حقيقة الأمر أكثر تعقيداً من ذلك فــ «جيري» الذي يمثل الخير نلحظ أنه من يبدأ بإشعال المشاكل مع «توم» باستخدام افكار شيطانية ووسائل شريرة، ليظهر في نهاية الحلقة بمظهر المسكين وهذا يتنافى مع صفة الخير المطلق رغم أنني لا انفي عنه صفة المظلومية. وبالنسبة إلى «توم» الذي يمثل الشر المطلق فإن تصرفاته غالباً لم تبلغ حد الظلم بل تأتي من باب الدفاع عن النفس! إلا انني لا انفى عنه تهمة الاعتداء على «جيري» دون وجه حق.
الشاهد في هذا كله أن الحياة لا تسير في طريق واحد، وبالتالي فنحن لا نسلك دربا واحدا في فهم الحياة، بل الإنسان يتماهى بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، ولذلك اعتقد أن رمزية محاربة الإسلام لعبادة الاصنام تتجاوز هذه الاشكالية إلى ما هو أشمل في رفض لعبادة كل ما من شأنه أن يجعل منا عبيدا لفكرة، أو قضية، أو عمل، أو حتى إنسان. بزعم أنه الخير المطلق، أو الشر المطلق. وإذا امعنا التفكير أكثر في فلسفة حلقات «توم وجيري» ستجد أن القائمين على هذا المسلسل توصلوا إلى حقيقة مفادها أنه حتى الحقائق متغيرة بتغير المكان والزمان. ولا تستغرب فحتى الفتاوى الدينية التي يستشهد اصحابها بالقرآن والسنة يستبدلونها بفتاوى جديدة تناقض الفتوى الأولى وايضا من نفس القرآن والسنة! فلا تجزع من ذلك طالما أن لك عقلا وقلبا يرشدك للخير دون الشر، وللحق دون الباطل، وللصواب دون الخطأ، من منظورك أنت وليس من منظور «توم وجيري».
بقلم : ماجد الجبارة
copy short url   نسخ
18/08/2016
3827