+ A
A -
كان لمعركة حلب طعم العلقم بالنسبة للأسد وأسياده «الممانعين»، بما فيهم حليفهم سيد الكرملين فلاديمير بوتين وان اختلفت حسابات هذا الأخير. كان يراد لها ان تكون المعركة الفصل في مسار الحرب على الشعب السوري منذ أكثر من خمس سنوات، بحيث تطوى صفحة المفاوضات (المعلنة أو في الكواليس) حول المرحلة الانتقالية وبقاء الأسد في السلطة، ويستعيد النظام سيطرته على مجمل الأراضي السورية، انطلاقا تحديدا من الشمال الاستراتيجي.
هذا كان حلم طهران، الذي دفع ذراعها العسكري الضارب «حزب الله» بآلاف من قوى النخبة لديه إلى المعركة، ودفعت هي بقوات مقاتلة من «الحرس الثوري» وليس بـ«خبراء ومستشارين» كما إدعت دائما، بالاضافة إلى ميليشيات عراقية وافغانية، واندفع الجيش السوري نحو المدينة التاريخية العريقة يقصف ويدمر تحت غطاء جوي روسي.
أحكم الحصار على حلب بعد السيطرة على معبر «الكاستيللو»، وتم استعمال سلاح التجويع لأحياء كاملة واقعة تحت سيطرة المعارضة المقاتلة شرق المدينة، وراح حسن نصرالله ووسائل اعلام «الممانعة» يهللون للنصر القريب على «الإرهاب» وداعميه وحاضنيه في اميركا وتركيا ودول الخليج. علما ان خطة بوتين لانهاك المعارضة كانت تحظى بضوء أخضر من اوباما (عبر التنسيق بين الثنائي سيرغي لافروف وجون كيري)، الذي حاول تمويه موقفه بدعم «قوات سوريا الديمقراطية» في معركتها لاخراج «داعش» من بلدة منبج، وفي الوقت عينه توجيه رسائل مشتركة مع موسكو إلى الأسد واردوغان معاَ عبر دعمه القوات الكردية.
فجأة، تقع محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، التي كانت قد مهدت لاعادة ترتيب علاقاتها الاقليمية مع روسيا ومع اسرائيل، ما مكن اردوغان من استعادة زمام المبادرة ولعب أوراقه في الميدان منعاَ لوقوع حلب الاستراتيجية بالنسبة له مجددا في أيدي الأسد، وبالتالي تحت السيطرة الإيرانية. اشتدت حدة المواجهة بعد ان تحولت المعركة إلى حياة أو موت بالنسبة للمعارضة، والى «ورقة مناورة» في يد واشنطن ضد موسكو، وايضا إلى ورقة انقاذ بالنسبة لموسكو نفسها وابتزاز لحلفائها «الممانعين» ولواشنطن على السواء عبر تقاربها مع أنقرة، اذ لم يعد بالتالي يهم بوتين، ولم يعد بمقدوره في الوقت عينه، تحقيق نصر عسكري مكلف جدا... وأخيرا المعركة فرصة كي تترجم دول الخليج دعمها الفعلي للمعارضة.
تحولت حلب إلى معركة استراتيجية بامتياز بالنسبة لجميع الأطراف المعنيين والمتورطين، فقامت رافعة اسناد المعارضة المسلحة على ثلاث: السلاح الاميركي والتمويل الخليجي وخطوط المرور والاسناد التركية، ما سمح للمعارضة من تحقيق اختراق هام وفك الحصار عن حلب وايقاع مئات القتلى في صفوف ميليشيا «حزب الله» أكثر المقاتلين شراسة وتمرسا. واذ بصحفية سورية من أبواق النظام تتهم «حزب الله» بالخيانة لتقاعسه في معركة الدفاع عن الكلية العسكرية...
وتزامنا مع هذه التطورات كان اردوغان في موسكو إلى جنب بوتين يترجم كسر الحصار وقلب موازين القوى باعادة فرض نفسه لاعبا اقليميا، وانما هذه المرة على مسافة بين طرفي المعادلة روسيا والولايات المتحدة، وهو العضو في الحلف الأطلسي. وها هي طهران تصاب بانتكاسة وتسارع إلى ارسال وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى انقرة لتهنئة اردوغان بفشل الانقلاب وعرض التنسيق على خصم الأسد اللدود، والأهم لمحاولة استكشاف ما دار بين الرئيسين. واذ بنائب وزير الخارجية الإيراني السابق عبد الامير اللهيان يكشف ان طهران عرضت اللجوء مرتين على الاسد مع عائلته في الفترة الماضية. وهذا حسن نصرالله يحتفل أمس بالذكرى العاشرة لحرب تموز 2006 في مهرجان اقيم في بلدة بنت جبيل الحدودية تحت شعار «زمن الانتصارات» ولكن من دون ان يأتي على ذكر أي «انتصار» في حلب الذي وعد به جمهوره. لا بل، أكثر من ذلك فاجأ الجميع بمخاطبته «داعش» و«النصرة» ناصحا اياهما بوقف القتال لانه يخدم اميركا...
سعد كيوان
copy short url   نسخ
16/08/2016
2585