+ A
A -
الأرجنتينيون لا يحبون الانجليز لسبب وجيه..
بسبب احتلالهم لجزر الفوكلاند القريبة من شواطئهم الشرقية، في حين تبعد آلاف الأميال عن بريطانيا التي تقع في شمال أوروبا.. ورغم أن الأرجنتينيين انتقموا من حرب 1982 بإخراج إنجلترا من مونديال 1986 (بهدف مخادع سجله مارادونا بيده) لم ينسوا حتى اليوم طردهم من جزر الفوكلاند بطريقة مخزية.
أما جزر الفوكلاند نفسها فمجرد أرض صخرية وعرة لا يزيد عدد سكانها على 300 شخص فقط.. وحين أبديت لمرافقي الأرجنتيني (أثناء زيارتي للأرجنتين عام 2011) استغرابي من تصارع بلدين كبيرين على «شوية صخور جرداء» نظر إليّ باستهجان وقال: حقا لا تعرف لماذا تصر بريطانيا على احتلال الجزر؟ أجبته «حقا، لا أعرف» فأخذ ورقة وقلما ورسم كرة أرضية كبيرة وقال: انظر.. هنا يقع القطب الجنوبي، وهنا في المقابل تقع «مالفيناس» (الاسم الذي يطلقه الأرجنتينيون على جزر الفوكلاند).. وفي حال اتفق العالم على تقاسم القطب الجنوبي سيتم تقسيمه (حسب الأعراف الجغرافية) على الدول المحيطة به والأقرب إليه. وبما أن الأرجنتين ونيوزلندا وتشيلي وجنوب إفريقيا هي الأقرب إليـه، ستنال دون غيرها نصيب الأسد من القارة البيضاء. لهذا السبب بادرت الدول الكبرى والبعيدة (مثل بريطانيا وفرنسا وأسبانيا التي تعاقبت على احتلال الفوكلاند خلال المائتي عام الماضية) إلى اعلان سيادتها على الجزر الصغيرة حوله استعدادا لأي تقسيم من هذا النوع!
.. ومن المعروف أن القطب الجنوبي أرض يابسة (وليست مياها متجمدة كالقطب الشمالي) تتضمن مناجم وموارد وحقول نفط محتملة ــ ناهيك عن 97% من مياه الأرض العذبة.. وهي قارة حقيقية تساوي 1.3 من مساحة أوروبا وكانت في الماضي السحيق جزءا من قارة أكبر تدعى جندوانا تغطيها الغابات والأنهار لوجودها ضمن المناخ الاستوائي في الشمال.
ومن حسن حظ الدول الصغيرة (والشعوب المنشغلة بصراعاتها الأيدلوجية في الشرق الأوسط) ماتزال الدول الكبرى تحترم اتفاقية 1961 بخصوص حيادية القطب الجنوبي وعدم ملكيته لأحد.. فقبل هذه الاتفاقية أعلنت بعض الدول فعلا امتلاكها للقطب الجنوبي أو أجزاء منه بحكم «أسبقية اليـد».. فبريطانيا مثلا أعلنت عام 1908 ملكيتها للقارة البيضاء بعد نجاح المستكشف إيرنست شاكلتون في التوغل فيه لمسافة 160 كلم وغرس العلم البريطاني فوقه.. غير أن نيوزلندا أعلنت في عام 1923 حقها في جزء كبير مقابل لها (لم يصل إليه البريطانيون) ثم تبعها الفرنسيون الذين أرسلوا بعثه كبيرة استقرت هناك عام 1924.. وفي السنوات التالية أعلنت كل من الأرجنتين وتشيلي وأستراليا أحقيتها في امتلاك أجزاء كبيرة من الكعكة البيضاء..
العجيب أن أميركا وروسيا فاتهما - في ذلك الوقت- المطالبة بحصتهما المفترضة من القارة الجنوبية.. وحين انتهت الحرب العالمية الثانية بصعودهما كقوتين عظميين أعلنتا تأييدهما لفكرة (تدويل) القطب الجنوبي الأمر الذي عطل محاولات الدول الأقل وزنا تقاسم أراضيه. وهكذا تم التوقيع في يونيو1961 على معاهدة القطب الجنوبي التي تنص على عدم أحقية أي دولة في امتلاك القارة البيضاء (باستثناء إقامة مراكز أبحاث وقواعد رصد) واعتباره ملكا للبشرية جمعاء..
ورغم صمود هذه الاتفاقية حتى اليوم لا تزال الثقة مفقودة بين الدول المعنية الأمر الذي جعلها لا تسعى فقط لإعلان سيادتها على الجزر المحيطة بالقطب الجنوبي، بل وانشاء قواعد لها بحجج البحث العلمي والرصد الجوي..
واليوم توجد أكثر من 56 قاعدة علمية تابعة لأكثر من 44 دولة عالمية ليس من بينها دولة عربية أو إسلامية!
.. أخبرني على ماذا يتصارعون أخبرك إلى أي مستقبل سيصلون.
فهد عامر الأحمدي
copy short url   نسخ
10/08/2016
2510