+ A
A -
هذا الغلو المستشري في السلوكيات العامة في المجتمعات العربية والإسلامية، ويتجلى في مظاهر عديدة، منها عنف الخطاب، وشخصية الحوار، وشيطنة الآخر، والمسارعة إلى اتهامه وتجريحه وتخوينه وتكفيره، والتعصب للرأي، والاقتصاء والاستعلاء، إلى غير ذلك من مظاهر وأشكال التمييز الممارس ضد المستضعف من الأقليات المذهبية والدينية وضد المرأة بوجه عام، أساسه: فهم خاطئ للنصوص الدينية، لم يفلح الخطاب الديني المعتدل والسائد عبر المنابر الدينية والقنوات والوسائل الإعلامية، حتى اليوم، في علاجه وتصحيحه؟
التساؤلات المطروحة: لماذا هذا الغلو الذي ينتسب إلى الدين؟! وإلى متى يستمر تشويه المفاهيم الدينية وبخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخر المختلف دينياً ومذهبياً؟ إلى متى يستمر الخطاب الديني السائد منشغلاً بمفاهيم الجهاد، والولاء والبراء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التشبه بالكفر، وجدلية الحجاب والنقاب والاختلاط، وتحريم الفنون والموسيقى، وأوهام التآمر الغربي على الإسلام، وعلاقة الدين بالدولة، والحاكمية، والخلافة والعلمانية، دون أن يحقق تقدماً ملموساً أو اختراقاً حاسماً أو تجاوزاً بنيوياً؟! لازلنا ندور في قضايا عمرها مائة سنة! هي نفس القضية التي شغلت رواد النهضة!! دولنا ومجتمعاتنا مهتمة بتجديد الخطاب الديني ليكون خطاباً فاعلاً في تحصين الشباب المسلم من أمراض الغلو والتطرف والكراهية، وفي سبيل ذلك يحرص القادة والزعماء في كل مناسبة دينية، على حث المؤسسات الدينية والعلماء المعنيين على بذل جهودهم في صياغة خطاب ديني متصالح مع الذات ومع العالم، يحمي شبابنا من آفات التشدد الديني، ولكننا حتى اليوم لا نجد الاستجابة الكافية والفاعلة والمترجمة لهذه الدعوات، على أرض الواقع، في تعليم ديني منفتح على الآخر، وفي خطاب ديني يحتضن الإنسان، لأنه إنسان! السؤال هنا: لماذا لم يحقق الخطاب الديني السائد، الأهداف المرجوة، بالرغم من إخلاص نيات القائمين عليه! وما هي العوائق والعقبات؟ في تصوري أن أبرز تلك المعوقات، هو التعلق الشديد بالماضي، وصعوبة القطعيه معه، كما فعلت أمم عديدة، تجاوزت الموروث التعصبي الماضوي، وحققت نجاحاً وتقدماً، العرب، خاصة، والمسلمين عامة، متشبثون بالماضي، يعيشون به وفيه وله، لا يقدرون فراقه! الماضي يحكمهم ويستحوذ على عقولهم ووجدانهم! وفي هذا المجال لفت انتباهي التصريح المثير الذي أدلى به عبدالاله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية، في ضرورة تغيير الخطاب الديني وبخاصة فيما يخص العلاقة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، معبراً بضرورة (القطعية مع الماضي أو جزء منه على الأقل) منادياً الشباب المغاربة في أوروبا، بإحترام الآخر وعدم التنكر لخيرات دول المهجر بعد الاستفادة منها، خصوصاً أن هذه الدول، فتحت أبوابها واستقبلت العديد من المهاجرين، وأكد بن كيران استغرابه للخطابات الدينية التي لازالت تدعو إلى محاربة اليهود والنصارى وجعلهن غنيمة للمسلمين، والقضاء على رجالهم من أجل جعل ابنائهم يتامى، معتبراً أن هذا الخطاب لم يعد مقبولاً... هذا التعلق بالماضي هو الذي يدفع بعض الخطباء لاستحضار مثل هذا الخطاب! أما المعوق الثاني لتجديد الخطاب الديني، فهو التعصب الشديد للأئمة والمشايخ وتقديس أقوى لهم وعدم التسامح مع ناقديهم أو المختلفين معهم، بل تفسيقهم وتكفيرهم والتحريض على قتلهم أو إقصائهم واتهامهم في معتقداتهم، ومن أبرز سمات هؤلاء المتعصبين أنهم لا يؤمنون بمنهج نقد الذات، رغم أن الأئمة رحمهم الله تعالى حرصوا على نهي الأتباع عن التعصب لهم، لكن الواقع المجتمعي سار على خلاف هذا النهي إلى يومنا هذا، جرب أن نتقد رأياً لأحد الرموز الدينية، حتى لو كان رأياً سياسياً خلافياً، لن تسلم من تجريم أتباعه ومريديه وبخاصة عبر الوسائط الاجتماعية الحديثة. ختاماً: إننا اليوم بحاجة ماسة إلى خطاب ديني إنساني، يحتضن الإنسان المكرم من خالقه تعالى، ويحبب شبابنا في الحياة والعمل والانتاج والابداع ويستثمر طاقاتهم في البناء والتنمية لا الكراهية والهدم والتدمير وإزهاق الأرواح.
بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
08/08/2016
2722