+ A
A -
في الحقيقة أدركت مؤخراً أن الحياة التي كنت أعيشها بكامل تفاصيلها الدقيقة المهمة وغير المهمة، تلك الحياة التي تقترب أحياناً من الفوضى وعدد كبير من القصص والحكايات البطيئة والطويلة، الليالي الطويلة اللزقة بفعل الرطوبة، الحياة المشكّلة والتي تمنحك مرات الشعور بعدم الصدق والتعالي على الآخرين، تقرصك بالقلق وتنبؤات الآخرين المخيفة، هذه الحياة التي تهتم بشؤون الآخرين أكثر من الاهتمام الذي يفترض أن تلقيه على نفسك، أشعر الآن بأني لستُ بحاجة إليها، وأنها ليست هي الحياة المثالية التي عليّ أن أكبر معها، وأن تبقى في وفاق دائم معي.
ليس ذلك بسبب الأوقات التي عشتها خارج أسوار الوطن، ولكن هي الأوقات التي اضطررت أن أكون بمفردي، ألا يشاركني أحد تلك اللقطات الصيفية، وأنا أشاهد كيف تتحرك تلك السفن من شواطئ برشلونة الساحرة، وكيف يقضي البعض أوقاتهم الحقيقية على بحيرة مدينة لوزرين الفاتنة، وأكوام من البشر وهم يلتقطون «السيلفي» أمام برج آيفل، ثمة أوقات تجبرك على ألا تتواصل مع أحد رغماً عنك، فتضطر لأن تسكن ذاتك، أن تتحدث معها، أن تعيد معها حكاياتك التي لم تكن تدرك مدى متعتها، وتتساءل باضطراب، ما الذي كان يدعوني لأني أنساها وأغرق في حكايات وتفاصيل الآخرين؟ ما الذي كان يجبرني على أن أتكوم داخل مساحاتهم ومشاكلهم، من دون أن أحصل على أي قيمة ذاتية، سوى الألم الذي يبقيه ما يقوله الآخرون من انطباعات سلبية، مؤسفة ومترفة بالحزن والأسى؟ إذ يحرص البعض على أن يحمل سقط متاعه من انطباعات مزرية، وأحياناً أوهام ونزاعات لست طرفاً بها، لكي تكون أنت في وسط هذا المعمعة التي يحاول مثل هؤلاء أن يدفعوك رغماً عنك، ورغم عدم حتى إيمانك بهواهم وفكرهم وطريقة رصف مسار حياتهم.
الكثيرون الذين لا يريدون أن تكون في سلام مع حياتك ومع أسرتك وذاتك، الكثيرون الذين لا يثقون في مكانتهم في العالم، ولا يريدون أن يكونوا وحدهم في خضم الظلام الفكري والنفسي، فيبذلون أقصى جهودهم لكي ينتزعوك من جذورك الآمنة والطيبة، لكي تكون في صفوفهم التي تحمل الخوف، والكثير من الهموم والهواجس والشعور الدائم بالمظلومية، إنهم لا يكتفون بأن يكونوا وحدهم في داخل كهوفهم، إنهم أيضاً يريدون من كل الذين لا يعيرونهم أدنى اهتمام أو ولاء لهم أن يحلقوا بعوالمهم السفلية، وهذا ما لاحظتة في الأواني الأخيرة من أوقاتي، حيث كنت أسجل انطباعاتي عن رحلتي لأكثر من مدينة أوروبية، واكتشفت كم هذا العالم يفتقر إلى الكثير من الحب، وكم تتزايد أعداد مثل هؤلاء الذين لا يريدون أن تعيش وتكتب عن فرحك، مثل هذه الخطابات تجاه الحب والسفر والقراءة أو حتى الكتابة تصرعهم لحد الموت، أننا فعلاً بحاجة إلى وفرة كبيرة في الحب.
بقلم : سارة مطر
copy short url   نسخ
07/08/2016
2904