+ A
A -
حتى ندرك مدى حدة الانقسام الموجود داخل المجتمع الأميركي يجب ألا نقف عند الظاهرة السطحية للمنافسة السياسية التقليدية والتي تشتعل الآن بسبب الانتخابات الرئاسية بين الحزب الديمقراطي ومؤيديه من الليبراليين واليساريين والحزب الجمهوري ومناصريه من المحافظين واليمينيين والتي سيتم حسمها في الثاني من نوفمبر هذا الخريف.
يجب أن ننفذ إلى العناصر المكونة والمؤثرة داخل المجتمع نفسه والتي تؤدي إلى هذه الحالة.. ليس فقط حالة العداء التي استحكمت بين عناصر من قوات الشرطة وغالبية المواطنين من الزنوج والتي استدعت قيام جبهة مؤلفة من المواطنين الذين لا يرضون بهذا التمييز سمت نفسها «أرواح السود مهمة». وتعمل على إيقاف هذه الحالة الاضطهادية التي يشعر بها الزنوج ومحاولة محاكمة من يخطئ من الشرطة بل إن هناك أيضا جبهات مشكلة من أطراف عدة داخل المجتمع الأميركي وتعمل كل منها على أهداف محددة خاصة بها وتسعى إلى تنفيذها حتى لو كانت هناك غالبية من المواطنين ترفض هذه الأهداف أو المصالح الخاصة مما يغذي حالة الانقسام.
مثال لتلك التكتلات أو جماعات الضغط، المنظمة الوطنية للسلاح (NRA)، وهي التي تنادي بأحقية المواطنين في حمل السلاح عملا بالمادة الثانية من الدستور وتقاوم بضراوة أية محاولات من قبل الدولة بتقنين أو تقييد هذا الحق.
مثال آخر هو نقابات العمال الأميركية والتي كانت سببا رئيسيا في نجاح القطاع التشغيلي في أميركا ومنذ بداياته في المحافظة على حقوق العمال في أجور معيشية كريمة وفي بيئة أعمال نظيفة وقاومت اية محاولات لاستغلال العمال.. إلا أنه مع وصول رونالد ريجان إلى الحكم في 1980 بدأت الحملة المنظمة على هذه النقابات من قبل الحكومة الفيدرالية والتي أدت إلى إضعافها والوصول بانتشارها بين العمال إلى أدنى حد.. وكنتيجة لسياسات ريجان تزايدت معدلات عدم المساواة في الدخول وتركز الثروات وتآكل الطبقة المتوسطة إلى حدود غير مسبوقة في تاريخ أميركا.. ومن ثم كرد فعل ظهرت (بعد ثورات الربيع العربي ومتأثرة بها) حركات «احتلال وول ستريت» والتي تنادي بوقف تعدي الشارع الاقتصادي على الشارع السياسي أو تزاوج القوى الاقتصادية مع السلطة السياسية في تعابير ثورات الربيع العربي.
واضح أيضا أن المجتمع الأميركي انقسم ديموغرافيا فلأول مرة ينتفض الشباب الذين يكونون الآن معظم الأعضاء في الحركات الليبرالية والتحررية التي تدافع عن البيئة وتدافع عن حقوق المرأة وحقوق المهاجرين الجدد أو حقوق الأقليات بصفة عامة.
الشباب الذين وصلت معدلات البطالة بينهم 18 % إبان الكساد العظيم في 2007-2009 والذين يتخرجون الآن من الجامعات وهم يحملون عبء دين تمويل تعليمهم (ما يفوق مائة ألف دولار مقابل ربع هذا المبلغ 25 ألف فقط في فترة الثمانينيات والتسعينيات) يعلنون عدم رضائهم، وتمردهم على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة بالانضمام إلى الحملة الانتخابية لبيرنى ساندرز.. المرشح الديمقراطي اليساري وأكبر المرشحين سنا والذي حمل لواء المدافعة عن أحقيتهم في التغيير الشامل والحاد.
ولأن الغوص في أسباب هذا الانقسام يتطلب الكثير من التفصيل الذي يتعدى المساحة المسموحة هنا فأنا أدعو القارئ الذي يريد أن يعرف المزيد عن حالة الانقسام التي تسود أميركا الآن وعن أسبابها وإمكانية معالجاتها وإيجاد حلول لها إلى بعض القراءات السهلة والممتعة مثل: «الانقسام العظيم: المجتمعات غير المتساوية وماذا يمكنا أن نفعل حيالها» (2015) كذلك «ثمن عدم المساواة» (2013) وكلاهما لجوزبف ستجلتز، الاقتصادي المشهور والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، أيضا الكتاب الرائع الذي قدمه يعقوب هاكر وبول بيرسون، «سياسة الفائز يحصد كل شيء» (2010).
الخلاصة في هذه المراجع أن السياسة هي المسبب الرئيسي لهذه الظاهرة وهي التي أثرت في الاقتصاد والاجتماع حيث إن واشنطن هي التي جعلت الأغنياء أكثر غنى، وهي التي أدارت ظهرها للطبقة الوسطى وحولت مبدأ «صوت واحد لكل فرد» إلى مبدأ «صوت واحد لكل دولار».
بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
03/08/2016
2839