+ A
A -
ماذا يجري حقيقة في حلب، وهل أن ما يلوح في الافق من أن قراراً قد اتخذ فعلاً في الكواليس بشطب سوريا الدولة الواحدة هو في طريقه إلى التحقق؟ أم أن قصر نظر أوباما والحسابات الأميركية الخاطئة والعجز الأوروبي قد مهد الطريق أمام القيصر الروسي لتحقيق حلم استعادة الدور الامبراطوري؟
إن كلا الاحتمالين يؤديان إلى النتيجة نفسها أو الاستنتاج ذاته، إذ يصبح «غير مفهوم»، لا بل مريب، هذا الاستعجال المفاجئ وهذه الاستماتة من قبل موسكو وطهران في حسم معركة حلب، التي يتم فيها استعمال سلاح الجو الروسي الذي بدونه لم يكن بمقدور الميليشيات الشيعية الموالية لطهران التقدم نحو المدينة التاريخية.. واللافت أن هذه النية في الحسم سلكت طريقها فعلياً إثر انعطافة أردوغان وعشية وقوع الانقلاب الفاشل في تركيا، بالتزامن مع تسريع وتكثيف لقاءات الثنائي لافروف- كيري التي تهدف إلى وضع خطة تعاون عسكري في سوريا.. هل لتدمير حلب وتهجير أهلها ولماذا؟ وما القصد من قيام موسكو بخلق ممرات آمنة بدل السعي لفرض إطلاق النار، كما كانت تفعل في السابق؟ طبعاً ليس بهدف العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف وإنما للإجهاز على المعارضة.
من الواضح أن الرئيس الأميركي، الذي سيغادر بعد خمسة أشهر البيت الأبيض، لم يعد مكترثا لتحقيق أي إنجاز أو لفرض أي تغيير في السياسة الشرق أوسطية.. إن همه الوحيد والأساسي منذ دخوله البيت الأبيض، وتحديداً بعد التجديد له ولاية ثانية عام 2012، كان إنجاز الاتفاق النووي مع إيران الذي تم التوقيع عليه في الصيف الماضي، أي قبل سنة بالتمام.. وهو الذي عزف في الأساس، قبل ثلاث سنوات (صيف 2013)، عن اتخاذ أي قرار نوعي وحاسم تجاه الأزمة السورية (تراجع عن قرار اتخذه وأعلنه شخصياً بقصف قوات النظام السوري رداً على استعمال السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشوقية).
وهذا ما أراح بطبيعة الحال بوتين ومكنه من السعي تدريجياً، وبمكر الثعلب، أولاً من التدخل عبر سلاح الجو لإنقاذ بشار الأسد، وثم التحكم بالمواجهة على الأرض عبر ضبط حركة إيران وربطها بالخطة الروسية.. واستفاد لاحقاً من الضعف الذي أصاب المعارضة جراء تشرذمها وتعدد ولاءاتها وتخلي كثيرون عنها، في مقدمتهم الولايات المتحدة.
إن تسريع الحسم الروسي في حلب، بوابة الشمال السوري نحو تركيا والعاصمة الاقتصادية وتحفة سوريا التاريخية وأقدم مدن العالم، يهدف إلى فرض معادلة جديدة بعد أن تم استنزاف أوباما بسلسلة من الخطوات التي راحت الواحدة تباعاً تمحو الأخرى، وإرباك الإدارة الأميركية القادمة ووضعها أمام أمر واقع جديد من الصعب تخطيه، سواء فازت هيلاري كلينتون أم فاز دونالد ترامب.. علما بأن ليس لدى الاثنين خيارات واضحة وحاسمة تجاه الأزمة السورية، وإنما ما سيشغلهما، وتحديداً ترامب، هو محاولة وضع حد لعودة روسيا إلى الساحة الدولية بهذه القوة رغم الأزمة الأوكرانية وما جرته عليها من عقوبات.
والواقع الجديد يقوم على تثبيت مصالح موسكو في سوريا والتحكم عبرها في أوضاع المنطقة، فيما الإدارة الأميركية الجديدة منشغلة بإعادة رسم سياستها الخارجية، وتحديداً محاولة الخروج من مستنقع ضياعها في الشرق الأوسط.. أما أوروبا فهي مغلوبة على أمرها تصارع «وحش الإرهاب» الذي أطلقه الأسد واحتضنته طهران وغضت النظر عنه واشنطن في المراحل الأولى، وهي تدفع أيضاً ثمن مأساة اللاجئين السوريين، الذين لن يتسنى لمعظمهم العودة ولا الإقامة بسلام.. لكن تثبيت هذه المصالح لا يمكن أن يسلك طريقه باستعادة نظام ديكتاتوري علوي أقلوي سلطته على سوريا منتفضة ومتعددة ومشرذمة مذهبياً وسياسياً...
الأسد هو أداة وسيبقى كذلك، وإذا بقي فلن يحظ إلا بدويلة علوية؟
سعد كيوان..
copy short url   نسخ
02/08/2016
3096