+ A
A -
لم تكن إسرائيل يوماً دولة طبيعية، ولن تكون. فهي لم تقم فقط على تعاسة شعب آخر، بل ترفض الاعتذار له أو تعويضه أو عودة لاجئيه، وتمعن في تقتيله وإحراق أطفاله ومساجده والاعتداء على مسكنه وثقافته ورمي الآلاف في السجون.
وبعد أن فشلت هذه الدولة الساقطة أخلاقياً في كسر إرادة الشعب المحتلة أرضه، مما دفع مجرم حرب مثل شارون إلى القول بعد قراءته شعر درويش: «أحسد الفلسطيني على مدى تشبثه بالأرض».. بعد ذلك اعتمدت الدولة العبرية «ثقافة الجدران» في الضفة الغربية أولاً ثم على حدود جميع الدول العربية المحيطة بها.
غير أن الجدران لم ولن تروي عطش يهود فلسطين إلى الأمن، كما لم تؤد «200» قنبلة نووية إلى تهدئة أرواحهم المرعوبة أو حتى تمكينهم من قضاء ليلة واحدة دون كوابيس، فيما كدسوا من الأسلحة ما يكفي لتدمير الشرق الأوسط مرات ومرات، وخزنوا في مستودعاتهم آخر وأحدث وأثمن الطائرات والصواريخ والذخائر المحرمة دولياً، وأسسوا نظام فصل عنصري أكثر انحطاطا من نظام جنوب إفريقيا البائد.
مع كل هذا، يبقى منطادهم مثقوباً، وهم إذ يرقعون ثقباً فيه، يظهر على الفور ثقب آخر.. وآخر، ليقضوا القليل المتبقي من عمر، كما قضاه «سيزيف» بطل الأسطورة اليونانية الذي حكمت عليه الآلهة بحمل صخرة ضخمة إلى قمة جبل، لكنها ما تلبث أن تتدحرج نزولاً ليعود إلى حملها من جديد.. وهكذا حتى نهاية الحياة.
إسرائيل هي سيزيف العصر، ودولته المزيفة التي حصلت من أوباما على تعهد بتزويدها بما قيمته أربعون مليار دولار من العتاد الحربي للسنوات العشر المقبلة. لكن ذلك كله لا يعالج نفساً مضطربة تشهد المقاومة وهي تتواصل دون يوم واحد تتوقف فيه، وتتجدد وتبتكر وسائل نضالية لا يعطلها سوى عملاء الاحتلال في رام الله.
وتدرك إسرائيل عجزها عن محاصرة المستقبل، أو شراء ذمم عشرات الدول التي انضمت إلى حملة BDS المبهرة الداعية إلى مقاطعة الدولة العبرية ومعاقبتها وسحب الاستثمارات منها. هذه الحملة الناجحة جداً تهدم الرواية الإسرائيلية وتجتاح شرعية هشة يمكن فضحها في جلسة نقاش واحدة.
هذا ليس كل شيء، فسمعة إسرائيل البشعة تتناقلها الشعوب والألسن في كل مكان. وحتى لا نطيل، نكتفي بالفقرة التالية من مقال جدعون ليفي الأخير:
«180» طفلا تحت الخمس سنوات بينهم رضع، «180» طفلاً لا حول لهم ولا قوة قتلهم الجيش في غزة خلال عملية «الجرف الصامد» أثناء لعبهم أو نومهم أو فرارهم من الموت تحت القصف، مع أهلهم. قتل الجيش خلال «50» يوما «546» طفلاً وفتى، أي بمعدل عشرة في اليوم، وما مجموعه صف مدرسي كل ثلاثة أيام. حاولوا فقط أن تتخيلوا».
إسرائيل يا جدعون ويا كل الضمائر الحية، لا تستحق أن تعيش. ونقطة على آخر السطر.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
30/07/2016
1061