+ A
A -

لا يحتاج المرءُ إلى فَرْكِ عينيه مراراً لِيُبْصِرَ الحقيقةَ النابضة في قلب أنثى فاتنة تسلبُ الألباب ولا تُؤَجِّلُ فتحَ الباب في وجه من يقصدها. يقينا تعرفون من تكون: تركيا، بكل جبروتها وقوتها وعظمتها، تركيا العظيمة بشعبها وقيادتها ومواقفها التي يشهد عليها التاريخ.
هي تركيا الآسرة بسحر المكان الذي لا يخطئه ذوق الباحث عن اللذة الجمالية.. هي تركيا التي سَجَّلتْ صحوةً اقتصادية قليل عليها أن تُصاب بضربة عين! لكن مهلا، لأن ضربةَ العين مقدور عليها. أما ما يحدث لتركيا في الآونة الأخيرة، فهو كثير إلى الدرجة التي تجاوز معها هذا الكثيرُ كلَّ الحدود. ما يجري في تركيا مؤخرا، وفي ظرف قياسي، يشكل في عمقه ضربة للسياحة، وكذلك هو في عمقه ضربة للاقتصاد الآخذ هنالك في النمو بشكل جَلِيٍّ، فكأنه كلما نَما ارتقى بتركيا وسَما بها.
فمَنْ يمسح دموعَ تركيا؟
هو سؤال مهم يحق له أن يأخذ مكانَه في أول سطرٍ من المقال، لماذا؟ لأنه بات غير خاف ما تمرُّ به تركيا من أزمات، فمِنْ هَجْمَةٍ إرهابية إلى مَوْجَةٍ انقلابية، دون أن يتضح بما فيه الكفاية مَن المسؤول عن المصائب التي تكالبتْ على تركيا، فضَرَبَتِ استقرارَها وأمنَها قبل أي شيء آخر يَضَعُهُ المحللون في الحسبان!
هل نكون مجانبين للصواب إذا اتفقنا على أن ما تتخبط فيه تركيا هو تنفيذ لمخططات أجنبية تُبَيِّتُ لتركيا النيةَ في ضربها، لماذا؟ للتشويش على خط سيرها، لاسيما وأن الضربة الأخيرة هي في الأصل موجهة لراعي تركيا طيب رجب أردوغان؟!
هل نكون واهمين إذا انْسَقْنا مع فرضية أن المخطِّطين للانقلاب غير راضين عن النجاح الذي جَلَبَه أردوغان لتركيا بسياسته الحكيمة التي تَضَعُ الشعبَ ضمن أولوياتها؟! ألا نرى أن الشعبَ كان سَبَّاقاً إلى مساندة طيب رجب أردوغان في محنته؟! ألم يتحرك الشعبُ التركي بمجرد أن ناداه أردوغان، فلبى الشعبُ واستجاب وامتثل؟! هل كان أردوغان في حاجة إلى أن يمرَّ بمحنة عظيمة كهذه ليعرف كم يساوي هو في عيون شعبه؟!..
تلاحظون أن الأسئلة تجيب عن نفسها، ولا شك في أنها تنصهر في بوتقة الاعتراف بالالتحام القائم بين رمز القيادة التركية (أردوغان) وشعبه المخلص الممتثل لما يراه ويرتئيه والراضي كل الرضى عن أدائه السياسي.
ألا تجعل هذه الهارمونيةُ في العلاقة بين قائد تركيا وشعبِها أصابعَ الاتهام تشير إلى دخلاء أو مسيِّرين عن بعد يُوَجِّهون المتورطين في الانقلاب بالحَرْف لتطبيق برنامجهم الانقلابي؟!
كيف يعقل أن تَكُونَ سياسةُ أردوغان (الذي يزداد شعبية في بلاده ويُضْرَبُ به المثلُ خارجَها) غير مستساغة عند مَنْ يقوم على أمرهم وهم تطوعوا للدفاع عن شرعيته بل ألقوا بأنفسهم تحت الدبابات حتى لا تتحرك هذه الأخيرة لنشر قواتها العسكرية وفَرْضِ سيطرتها؟!
على ذكر القوات العسكرية، ألا يفرض المنطقُ الإيمانَ بالتناقض الصارخ بين حقيقة تثمين قوة الجيش التركي الهائلة وفشله الذريع الْمُسْتَحَقّ إكراما لِشَعْبٍ لا يُسَيَّرُ بالإكراه؟!
كيف يمكن تقييم الوضع الاستخباراتي (في تركيا) في ضوء ما جرى وكان، خصوصا أن العقلَ والمنطقَ يقولان إنه من غير المنتظَر أن يصل الأمر إلى ما وصلت إليه حالُ تركيا من فوضى، ولكلٍّ أن يُخَمِّنَ في الاحتمالات الأسوأ لولا تظافُر الجهود وتضامُن الشعب مع القيادة للسيطرة على الموقف؟!
المشهد الأخير في تركيا يسمح بقراءات متعددة في واقعِ ما يحصلُ على أرضٍ أَبَى أبناؤُها إلا الانتصار لقائدهم وضَمِّ أصواتِهم إلى صوته هو طيب رجب أردوغان الذي عُرِفَ بما جَعَلَ منه رَجُلَ المواقف، ورَجُلَ الإنجازات، ورَجُلَ الحضارة الذي ساير الرَّكْبَ وسَارَ ببلاده إلى الأمام ووَجَّهَها وجهةً مُشَرِّفَةً وأَلْبَسَهَا الحُلَّةَ التي تَلِيقُ بها. كلُّ هذا يجعل أردوغان محسودا ومستهدَفاً إلى الدرجة التي تستدعي منه المزيدَ من الحيطة والحذر خَشْيَةَ التواطؤ ضدّه مجددا.
د. سعاد دَرير
copy short url   نسخ
28/07/2016
1327