+ A
A -
للشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى، كتاب قيم عنوانه، تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، لم يأخذ حظه من عناية الباحثين، ظهر الكتاب في طبعته الأولى 1991، دار الشروق بالقاهرة، وأتصوره أهم كتب الغزالي في تشخيص العلل والآفات في تراثنا الفكري المعوقة للنهوض والتقدم، مازلنا نعاني من آثارها الكارثية اليوم في الساحتين العربية والإسلامية..
يقول الشيخ: نظرت إلى أمتي الإسلامية، واستشعرت عجباً من مواقفها! أمة هي خمس العالم، تبحث عنها في حقول المعرفة فلا تجدها، في ساحات الإنتاج فلا تحسها، في نماذج الخلق الزاكي، والتعاون المؤثر، والحريات المصونة، والعدالة اليانعة.. فتعود صفر اليدين! يلخص الغزالي حال الأمة في وقته: حكومات فرعونية إقطاعية، وجماهير تبحث عن الطعام، وفن يدور حول اللذة وطرقها، ومتدينون مشتغلون بالقمامات الفكرية.. لاحظ أن الغزالي يصف حال الأمة، قبل ربع قرن، فكيف لو عاش ليرى الأوضاع الحاضرة!
وبأسلوبه الساخر الذي تميز به، يتحدث عن العقلية العربية وقصة النفط العربي: إن للنفط العربي قصة تبعث على الأسى والسخط، فإن مناجمه كثرت في بلادنا، بيد أننا كنّا مشغولين عنها، نسرح بقطعان الضأن والمعز فوقها، وجاء الخواجات لكشفها، أما نحن فكنا نتنازع هل حديث التوسل صحيح أم ضعيف؟ هل كرامات الأولياء حق أم وهم؟ هل الحكم لبني هاشم أم لأسر أخرى؟! يتساءل الغزالي: كيف نجدد الإسلام، وننهض بحال الأمة؟ يرى استحالة النهوض بفكر عصور الانحطاط، ولابد من غربلة التراث الإسلامي الذي آل إلينا في هذا العصر، تقوم على خطة تستبقي ما يوافق الكتاب والسنة وتستبعد ما عداه، مثل:
1 - المرويات التي تقرر أن الإسلام توسع بالسيف، وأكره شعوباً على الإسلام، وفي سبيل ذلك يلغى أو ينسخ أكثر من 120 آية في حرية المعتقد ونفي الإكراه! يؤكد الغزالي أن الحرية الدينية حق! فيأتي مغمور جهول ليقول: لا إكراه في الدين، آية منسوخة، بطل حكمها..!! أقول لدعاة السلام في العالم: نحن قبلكم ندعو إلى السلام، ونكره إراقة الدماء إلا دفاعاً عن عقيدتنا وتأميناً لدعوتنا، فإذا غلام طائش يقول: كلا إن نبينا قال: بعثت بالسيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي، هذا الغلام ما تدبر القرآن، إنه يعرف منطق العصابات!
2 - الموقف من المرأة، فالمرويات التراثية متحاملة على المرأة بوجه عام، وكان لها تأثيرها السلبي على خطباء ودعاة يرون أن المرأة إنما خلقت لتلد الرجال فحسب، ولا تخرج من بيتها إلا إلى القبر! وهكذا يصبح الدين الذي كرم الإنسان ذكرا أو أنثى، على ألسنة بعض الفتانين الجهال، هواناً بنصف الإنسانية وتحقيراً لها..! إن الصورة التي حسبت إسلاماً وما هي بإسلام أن المرأة كائن ناقص متهم، يحبس في البيت محروماً من العلم والارتقاء، ومن كل نشاط اجتماعي أو سياسي! النساء في الحضارة الجديدة يغزون الفضاء، ونحن نفتي بأن صلاتها في بيتها أفضل من الصلاة في مسجد رسول الله، عليه الصلاة والسلام.
3 - تنقية تفاسير القرآن الكريم من الترهات والإسرائيليات، فالقرآن أصدق ما بقي من مواريث السماء، وكان على المفسرين أن يلتزموا شروط الصحة والقبول، ويجنبوا تفاسيرهم التفاهات والخرافات.
4- إعمال منهج نقد متن الحديث، وعدم الاكتفاء بصحة السند، فقد يصح الحديث سندا ويضعف متناً، لمخالفته القرآن أو العقل أو العلم أو المشاهدة أو التاريخ أو السنة الكونية أو مقصداً شرعياً، مثل: حديث خلق الأرض في ستة أيام، في صحيح مسلم، مخالف للقرآن، ورواية الغرانيق، التي تقول إن الشيطان ألقى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في الصلاة، كلمات تمدح آلهة المشركين، وهي رواية باطلة، صححها بعض أئمة الحديث المحكومين بالصنعة الحديثية، ذهولاً عن عصمة الرسول في التبليغ، ففتح به باب شر، لايزال يدخل منه الأفاكون كسليمان رشدي وغيره!
ختاماً: يقول الغزالي: إن فقه الكون والحياة فريضة أسبق من فرائض أخرى صنعها أصحاب الثقافات المغشوشة، زعموها دينا وهي أبعد ما تكون عن الدين، طيب المولى تعالى ثراك، أيها المصلح الجليل.
بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
25/07/2016
7060