+ A
A -
سقط الانقلاب التركي وفشل مخططوه ومموّلوه ومنفذوه وانكشف مشهد الجريمة الإرهابية التي كانت تستهدف القيم الديمقراطية التركية. تداعيات الانقلاب ونتائجه ستكون كبيرة جدا على تركيا وعلى جوارها الاقليمي خاصة العربي منه كما ستكون تداعياته الدولية ضخمة جدا بسبب انكشاف الشبكة الدولية والاقليمية المتورطة فيه.
لكن أثبت الانقلاب التركي بما لا يدع مجالا للاختلاف وطنيةَ النخب التركية وتغليبها المصلحة العليا للوطن على المصالح الحزبية عندما رفضت بالإجماع الكبير الوقوف مع الانقلابيين وغلّبت المصلحة العليا على المصالح الضيقة وعلى الولاءات الخارجية باستثناء العصابة التابعة للكيان الموازي.
لكن الصادم هو وقوف نخب عربية كثيرة مع الانقلاب الإرهابي وتشجيعها التآمر على الشرعية وعلى التجربة الديمقراطية المسلمة الوحيدة في المشرق.
التصريحات المحتفلة على مواقع التواصل الاجتماعي لم تنفك تبتهج بنجاح الانقلاب منذ اللحظات الأولى لتنفيذه بل كانت بعضها تغرّد شامتة بموت الرئيس المنتخب «أردوغان» والاشادة «بدور الجيش في حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وهي تصريحات ولئن كان مصدرها في البداية منابر إعلامية تتبع لقوى الثورات المضادة في المنطقة العربي إلا أنها سرعان ما كشفت عن مراكز قوى بعينها تسهر على توجيه هاته التصريحات رغم الحذر الشديد في إخفاء المصدر.
كيف يمكن لنُخب وظيفتها النهوض بالمجتمعات التي تنتمي إليها أن تبرر وتشجع على الانقلاب؟ أليست الانقلابات العسكرية هي أخطر الأورام التي يمكنها أن تضرب المجتمعات؟ ماذا قدمت الانقلابات العسكرية للمنطقة العربية غير الخراب والدمار وآلاف القتلى وسنوات من التخلف والفقر؟
مثّل الامتحان التركي ـ مثلما كان امتحان الثورات العربية قبله ـ درسا جديدا حول خطورة الدور الذي تلعبه النخب العربية على نهضة الأمة بأن تحولت إلى كيانات استبدادية رمزية وظيفتها التمكين لثقافة الاستبداد ومنع كل موجات التغيير التي قد تطيح بحال الجمود والتخلف الذي تعاني منه.
صحيح أن النخب العربية ساهمت بقسط كبير في فشل الثورات العربية خاصة في مصر وصحيح أيضا أنها ليست من قام بهذه الثورات بل قامت بها الطبقات المسحوقة من الفئات الأكثر تهميشا في الدول المعنية بموجات التغيير.
صحيح كذلك أن النخب العربية هي من أفشل المسارات الانتقالية في دول الربيع العربي بأن غلّبت التقاتل والصراع على المناصب والولاء للقوى الأجنبية على المصلحة الوطنية العليا وعلى ترجمة تطلعات شعوبها للحرية والعدالة الاجتماعية والتحرر من العبودية ومن الاستعمار.
أثبت الانقلاب التركي وفشله أن الانقلاب ثقافة أكثر منه أيّ شيء آخر وأن الانقلابية نزعة مرضية لا تقلّ خطرا عن السرطان الإرهابي نفسه وبالتالي يتساوى المشجع على الإرهاب مع المشجع على الانقلاب في الآثار التدميرية لكليهما.
ليست مصر اليوم بوضعها الاقتصادي المثير للشفقة وبوضعها السياسي البائس وبواجهاته الاعلامية التي تنذر بكل سوء إلا نتيجة منطقية للانقلاب الدموي الكبير الذي قاده «الجيش المصري» على الشرعية وعلى الرئيس المنتخب محمد مرسي بقطع النظر عن الانتماء الحزبي له.
معارضو أردوغان وهم من أشرس العلمانيين عارضوا بشدة الانقلاب العسكري الدامي في تركيا إيمانا بالديمقراطية ووعيا بأن العسكر والدبابات لا تجلب غير الخراب والدمار لأوطانها.
هذا الفارق الكبير في الوعي السياسي الوظيفي هو الذي أسقط الانقلاب وهو الذي كان سيمنع نجاح الانقلاب سياسيا لو نجح الانقلاب العسكري وهو كذلك نفس الوعي الذي مكّن لنجاح الانقلاب في المنطقة العربية وذلك منذ عقود من الزمان ولا يزال.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
21/07/2016
2386