+ A
A -
الهجوم العدواني الإرهابي على مدينة نيس، مقصد السياحة العالمية، وعروس الريفيرا الفرنسية الساحرة، وأجمل مدنها، بدعس الحشود المجتمعة التي كانت تحتفل بالعيد الوطني الفرنسي، الباستيل، يوم الحرية، ليلاً، بشاحنة ضخمة لنقل المبردات، وراح ضحيته 84 قتيلا و202 جريح، منهم 50 طفلاً، وعشرات حالتهم حرجة، من مختلف الجنسيات الفرنسية والأجنبية، يشكل هذا العدوان الإرهابي، تطورا نوعيا خطيرا في تاريخ العمليات الإرهابية.
منذ الحدث الإرهابي الأكبر 11 سبتمبر 2001 والذي ضرب الولايات المتحدة باستخدام الطائرات التجارية، سلاحاً إرهابياً، وذلك من جهتين:
الأولى: التطور النوعي في أداة القتل الإرهابي: لجهة استخدام شاحنة نقل المبردات، سلاحاً إرهابياً، قامت بدعس جموع الناس المحتفلة بالعيد الوطني، على امتداد كيلومترين من كورنيش مدينة نيس، جنوب شرق فرنسا، بهدف إسقاط أكبر عدد من الأبرياء، قبل أن ترديه أجهزة الأمن، ومعنى هذا التطور الجديد في استخدام أدوات ووسائل القتل، أن الإرهابيين لم يعودوا بحاجة، اليوم، إلى تهريب الأحزمة الناسفة والقنابل المتفجرة وغيرها من الوسائل القاتلة، والمكلفة ماليا، والصعب تهريبها أمنيا، إذ بإمكانهم تحقيق أهدافهم الإجرامية، في القتل والترويع والتدمير، باستخدام الشاحنات والحافلات واستهداف المدنيين في أماكن تجمعاتهم، وتحقيق أهدافهم، بكلفة قليلة ووسيلة سهلة.
هذا التطور النوعي في أدوات القتل الجماعي، يشكل تحدياً نوعياً كبيراً وخطيراً أمام الأجهزة الأمنية، إذ كيف يمكن مراقبة ورصد الشاحنات والحافلات في كافة الشوارع والطرقات المزدحمة بالناس؟ سيكون الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد.
الثانية: التطور الجديد في عمليات التجنيد: طور داعش، عمليات تجنيده للشباب، وبات يبحث اليوم عن شباب جدد، من نوعية مختلفة، غير معروفة بالتشدد الديني، أو حتى بالتدين، غير مدرجة في قوائم الإرهاب، هؤلاء الأشخاص من أبناء الجاليات العربية المقيمة في أوروبا وأميركا، ممن يعانون أزمات نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وبخاصة من سكان الضواحي، أبناء الجيلين الثالث والرابع من المهاجرين، الذين تفاقم لديهم الإحساس بالتهميش والتمييز والغبن والاغتراب، ولا يستطيعون الاندماج الإيجابي الحقيقي في المجتمع، فيلجأون إلى الاندماج السلبي المدمر، متنفسا وتعويضا عن مشاعر الإحباط واليأس والنقمة، فينغمسون في الرذائل والسلوكيات غير الأخلاقية والدينية، ويتعاطون المخدرات، ويمارسون أعمال سرقة وعنف وإجرام، وغيرها من الأعمال المجرمة، هذه النوعية من الشباب الممزق نفسيا، الواقعة تحت ثقل تأنيب الضمير، نتيجة مسلكياتها المناقضة لدينها، تشكل صيدا سهلا لاعتناق أفكار وأيديولوجيات التنظيمات الإرهابية التي تردد أسطوانة المظلومية الحزينة، والأنشودة الحماسية ضد الغرب الصليبي الحاقد والمتآمر على المسلمين، وتحرض الشباب المسلم في كل مكان للانتقام والثأر من هذا الغرب الذي يستهدف دولة الخلافة والتنظيمات المتطرفة التي تمثل الإسلام الحقيقي في زعمهم، داعش لا يسعى، اليوم، لاستقطاب المتشددين الدينيين من أبناء الجاليات الإسلامية في أوروبا وأميركا، لأن هؤلاء مراقبون أمنياً، لكنه يسعى لتجنيد الشباب الذين يعيشون ظروفاً صعبة، بسبب أزمة الهوية وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع، المحبطين، اليائسين، الناقمين على المجتمع، الذي يتعمد تهميشهم، أو النظر إليهم بدونية، من غير ذنب، إلا لكونهم عربا مسلمين، ممن يعيشون انفلاتا أخلاقيا ودينيا وأسرياً، ويعانون ثقل تعذيب الضمير، وتمزق الهوية، ويبحثون عن مخرج للتكفير عن الذنوب والآثام والتقصير، مثل هؤلاء الشباب المتأزم، يجدون في الفكر الداعشي بالانتقام من المجتمع، والتخلص من الحياة، مخرجا للتحرر من المعاناة، وراحة الضمير، وإذا أضفنا إلى ذلك، أن الذين ينحدرون من أصول مغاربية، هم الأكثر استهدافاً بالتجنيد من قبل منابر الفكر المتطرف، وبخاصة لشباب الضواحي المهمشة، الذين يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ويعانون من ممارسات تمييزية يومية، ويستبطنون نوعا من كراهية المجتمع الفرنسي، ممتدا من ماضي الممارسات العنيفة لفرنسا الاستعمارية على بلادهم الأصلية، أدركنا: لماذا كان انقياد هؤلاء الشباب، من الأصول المغاربية، أسهل للفكر المتطرف، لذلك، وجدنا أكثر من قاموا بهذه العمليات الإرهابية، هم من أصول مغاربية، وأن الدولة الأكثر استهدافاً هي فرنسا.

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
18/07/2016
1795