+ A
A -
قال قائلٌ مجهول ومشكور: «خلكم مثل رقم 1 في جدول الضرب، مهما يقابل أرقام كبيرة أو صغيرة ما يعطيهم أكبر من حجمهم».. تبدو العبارة رغم لهجتها العامية حكمة ذات أثر عظيم وبالغ لو تأملناها وأخذنا المبدأ الوارد فيها بجدّية. وقد يعني القائل أنّه من الواجب إعطاء كل إنسان المكانة التي يستحقها دون إفراطٍ أو تفريط، ولكن هل نطبق ذلك في واقعنا؟!
في حياتنا القصيرة والتي لا تتعدى (150) سنة في الغالب، يكرر الكثيرون منّا أخطاء تتعلق بعدم منح الأشخاص المحيطين بهم حَجْمَهم الحقيقي، أو عدم وضع الأشخاص الذين نتعامل معهم في المكان الصحيح من حياتنا، أو نسيء تحديد نوع العلاقة التي تربطنا بهم حسبما يستحقون.
وهذا الأمر في حدّ ذاته، يسبب الأرق والقلق والتعب دون دراية ووعي وانتباه لعواقب هذا السلوك الذي قد يكون عفويًّا ودون انتباه.. خاصة لأولئك الذين لا يوَفّقون بشكل مستمر في رسم خطوط واضحة الملامح مع من حولهم مما يوقعهم في مشاكل يصعب الخروج منها.
الوضع الأكثر إحراجًا، استخدام عدسات مصغّرة مع أشخاصٍ كبار سنًّا أو مكانةً، من المؤثرين، والفاعلين في حياتنا، ممن يستحقّون مكانةً أفضل أو مساحةً أحسن من الموقع أو الترتيب الذي وضعناهم فيه. ننظر إليهم بازدراء أو استصغار، ومهما تكلموا معنا يظل رأيهم صفرًا أو قولهم «لا شيء» ليس ذا تأثير أو أهمية.. والأسوأ استخدام العدسات المكبرة لأولئك الذين هم سبب دمارنا وتشتتنا، أو فشلنا وتعثّرنا.. وفي نفس الوقت نبالغ في المباركة على قراراتهم واقتراحاتهم حتى لو كانت سببًا لضياعنا.
كمثال بسيط ويتكرر في كثيرٍ من العوائل: تجنّب الشاب الاستماع لوالده أو أخيه سواء في استشارة واستفسار يخص موضوعًا حاسمًا في حياته، وقد يستمع إليهم أو يسألهم متأخرًا وقد لا يحدث ذلك أبدًا– حتى لو كان موقنًا في قرارة نفسه أنهم أصحاب العقل السديد والحكمة والأفكار النيّرة- بل يلجأ أولًا لأصدقائه الأقل خبرة وحكمة ومعرفة.. وكذلك تفعل الفتاة مع صديقاتها في مواجهة والدتها وأخواتها.
وكمثال آخر، يتضايق الشاب وينهار من تخلي صديقه الفاشل والمتعثر دراسيًّا له، بينما يقف صامدًا أمام مقاطعة والديه وعقوقه لهما، دون أن ترمش له عين.. يتأثر بفقدان حبيبته التي خانته أو فشلت في الاحتفاظ به بينما لا يعرف حال أخته ولم يجلس معها منذ زواجها.. أو يتضجّر من طلب بسيط تحتاج إليه أمّه أو أبوه، بينما لا يتوانى قطع مسافات من أجل صديق أو زميل عمل أو دراسة.
وكم صادفنا من أشخاص يتدخّلون في مواضيع جدّ شخصيّة يظنون أنفسهم مقربين، أو مهمين، سواء كانوا هم من يتوهّمون ذلك، أو كنّا السبب في رسم صورة وهميّة حول درجة العلاقة التي تربطنا بهم؟! بل نجد أنفسنا أحيانًا نستسلم لآرائهم الفاشلة والغبية مجبرين؛ لأننا أقنعنا أنفسنا أن زعلهم مهم أو تركهم لنا يعني نهاية لحياتنا.
نحتاج فعليًا البقاء مع أنفسنا لنعيد التفكير والنظر في علاقاتنا التي تجمعنا مع أقارب مجهولين، ومجهولين صاروا أقارب. الأقارب من والدين أو زوج أو إخوة، ومن يتبعهم في سلسلة القرابة، وأصدقاء وزملاء كانوا مجهولين فقربناهم دون أن نراعي الحدود الفاصلة بيننا وبينهم. وللأسف فإن الكثير من المقربين «المجهولين» الذين ظننا أنهم أهلٌ لذلك اكتشفنا متأخرين أنهم لا يستحقون، وأننا أعطيناهم أكبر من حجمهم وقدمناهم منازل كانت لغيرهم.. فمكنّاهم منا حتى تمكنوا منا.. فمتى سنضربهم في واحد حتى نخرج بنتيجة نستحقها؟!
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
16/07/2016
2717