+ A
A -
لم يَشغُلَ الساحة الفلسطينية موضوعاً إشكالياً منذ سنواتٍ طويلة كالعنوان المُتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية وأوضاعها ومؤسساتها بشكلٍ عام. فقد مَضَت سنوات طويلة من الزمن وقد بُحت الحناجر وهي تنادي بإجراء المراجعات النقدية الجادة لأوضاع المنظمة على كل المستويات السياسية والتنظيمية والبرنامجية، وإعادة بنائها من جديد على أسس تراعي كل المُتغيرات التي وقعت في الحالة الفلسطينية خلال أكثر من عقدين ونصف العقد من الزمن، والتي لا يُمكن لأي عاقل تجاهلها.
إن ظهور وصعود حركتي حماس والجهاد الإسلامي، مَهَّدَ الطريق للحديث عن ضرورات إعادة بناء الحالة التمثيلية الفلسطينية على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية. لكن حجم التعقيدات كان ومازال كبيرا في هذا المضمار. فقد ظَهَرَت وصعدت حركة حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي ببرنامج سياسي مختلف نسبياً عن برنامج المنظمة وأجندتها من ناحية رفض العملية السياسية التي تمخضت عن أعمال مؤتمر مدريد عام 1991، ووصولاً لاتفاق أوسلو الأول واستنساخاته. وهو ما دَفَعَ كلاً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي لاتخاذ مواقف في البداية شككت في الصفة التمثيلية للمنظمة، لكنها انسجمت لاحقاً في دعواتها العامة مع مجموع الفصائل التي كانت ومازالت تنادي بضرورة إعادة بناء المنظمة وإنقاذها من «غيبوبتها»، وإعادة بناء برنامجها على أسس توافقية جديدة تأخذ بعين الاعتبار كل المُتغيرات التي وقعت في الخريطة السياسية الفلسطينية وأوزان القوى الفاعلة على الأرض في فلسطين والشتات.
ومع صدقية أصحاب هذه الدفوع المنادية بإعادة بناء المنظمة، وسلامة دعواتهم، إلا أن أصواتهم التي بُحت لسنوات طويلة ظلت بلا أصداء وكأنها صِيَاحٌ في صَحراء مُقفَرة، بل وتم تجاهلها، ففشلت محاولات انتشال المنظمة وإفاقتها من غيبوبتها الممتدة عبر الزمن، وكانت النتيجة هي استصغار وإهمال لأوضاع المنظمة.
الجميع من فصائل وقوى المنظمة، ومن خارجها، يَتَحدث عن ضرورة البدء بإجراء عملية إصلاح واسعة وشاملة في منظمة التحرير الفلسطينية، وعموم هيئاتها ومؤسساتها واتحاداتها الشعبية، وإعادة الاعتبار لميثاقها الوطني الذي تم تمزيقه إرباً إرباً، بحفل استعراضي حضره الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في قطاع غزة عام 1996، لكن تلك الدعوات مازالت وكأنها نَفخ في قربة مثقوبة، فقيادة المنظمة في واد والناس في واد آخر، وقد شارفت المنظمة على الموت والذهاب إلى عالم النسيان لتحل مكانها السلطة الفلسطينية، حالها في ذلك، حال هيئات فلسطينية، من الماضي كالهيئة العربية العليا، التي طواها سيرتها النسيان ولم يَعُد يذكرها أحد إلا من يبحث في التاريخ، خاصة تاريخ الحركة الوطنيه الفلسطينية، طوال قرن من الزمان.
إن السؤال اليوم، وبعد تجربة مريرة مع مسار التسوية والتفاوض ثم التفاوض وحده كطريق إجباري وكخيار وحيد، تجربة قوامها العذاب والانقسام، وبعد آثار ونتائج اتفاق أوسلو الأول وما استتبعه من اتفاقيات وبروتوكولات، إن السؤال يتمحور عن الممثل الشرعي والوحيد فلا يجد له عنوانا ولا طريقا. بل يذهب السؤال ذاته إلى ما هو أبعد من ذلك بالقول: هل يمكن إصلاح المنظمة وضخ الدم الجديد في روحها؟.. وإذا كان الجواب نعم، فهل يمكن القيام بذلك وبمشاركة نفس الأدوات والهياكل والأساليب والسياسات؟.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
15/07/2016
1755