+ A
A -
قد لا نختلف إن قلنا « إن الاختلاف أصل من أصول الاجتماع البشري لا يستقيم إلا به». فالتباين والتنوع سمات مبثوثة في كل أوجه الوجود البشري الطبيعي منه والانساني بل هي شروط من شروط نشأة هذا الوجود أولا وتطوره ثانيا ودوامه ثالثا.
المبدأ كونيّ إذن وهو ملازم للوجود البشري لكنه يقل وينقص بما هو مبدأ نسبي حسب السياق الاجتماعي والحضاري للأمة التي يخصّها وهو من جهة أخرى عنوان من عناوين قوّة الأمم وسيادة العدل فيها فهو محرار لقياس درجة التطور الحضاري لشعب ما في مرحلة تاريخية ما.
اليوم قد لا نختلف أيضا في الإقرار بأن الأمة العربية المسلمة تمر بواحدة من أشد لحظاتها التارخية حرجا من جهة تكالب العدوان الخارجي عليها متحولا من توسع استعماري مباشر خلال القرون الماضية إلى ضرب للوحدة الداخلية للأمة عبر زرع كل بذور الخلاف والشقاق وتحريك النعرات الطائفية والعرقية واللسانية سعيا إلى تفكيك البناء من الداخل.
نحن أمام مسألتين تتعلّق الأولى بعلوية مبدأ الاختلاف وتتصل الثانية بتوظيف عامل الخلاف أي أننا أمام عنصرين عنصر طبيعي وآخر صناعي عنصر مؤسس للوجود الاجتماعي وعنصر مخرّب لهذا الوجود.
اليوم تطرح المسألتان في العالم العربي بإلحاح كبير جدا فمن ناحية تُحارَب ثقافة الاختلاف ومن ناحية أخرى يغذَّى التطرف والانفراد بالرأي في سعي واضح إلى التمكين للمخططات التوسعية الجديدة على أرض العرب.
تقع المنطقة العربية سياسيا تحت فعل أنظمة استبدادية عسكرية في جزء كبير منها وهي الأنظمة التي أطاح بها ربيع العرب الأخير وشملتها موجات الثورات الأخيرة.
هاته الأنظمة تأسست وقامت على نشر ثقافة الاستبداد بما هي الضامن لدوام الحكم القمعي للفرد المتجبر وهي ثقافة تمنع الاختلاف وتحاربه على المستوى السياسي عبر قمع المعارضة وسجن الرأي المخالف.
لكن هذا البناء الثقافي لا يقتصر على الجانب السياسي بل يمتد تأثيره إلى المجتمع الذي يستنسخ في حالات كثيرة منظومة الاستبداد ويستبطنها فتشكّل نسقا ثقافيا وأخلاقيا لا واعيا تتجلى في الأسرة وفي التربية وفي السلوك بشكل عام.
اليوم يظهر حصاد النسق الاستبدادي العربي عبر نزوع فئات كثيرة في المجتمعات العربية نحو العنف المادي والرمزي ونحو رفض الرأي المخالف والغلو في المعتقد وفي الفكرة وفي الرأي.
بناء عليه فإن كل أشكال الفوضى على الأرض العربية وكل النزاعات والحروب الداخلية وحالات الاقتتال الطائفي ليست في الحقيقة إلا ترجمة صريحة لنتائج سنوات الاستبداد السياسي ومحاربة ثقافة الاختلاف واحترام الرأي المخالف.
هكذا يُطرح علينا اليوم بإلحاح شديد ترميم حائط الاختلاف بما هو شرط لا فكاك منه نحو ترميم مجتمع العربي وترميم السلوك الفردي حتى نتجاوز حالات التناحر الفكري والتعصب العرقي الذي حوّل الأوطان العربية إلى برك من الدماء وسهّل على أعداء الوطن مشاريعهم التوسعية.
لكن تبقى مسؤولية النخب العربية كبيرة في تجاوز الصراعات الايديولوجية والحزبية العقيمة التي لم تورّث غير الخراب الذي كشفته ثورات الجماهير الغاضبة في غير بلد عربي.
إنّ استهداف أورام الخلاف في مجتمعاتنا العربية وتحويلها إلى خصائص طبيعية للتنوع البشري موجودة في كل المجتمعات ومصاحبة لكل الحضارات هي المهمة الأساسية التي يجب أن يضطلع بها كل الفاعلين داخل الجسد العربي الجريح.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
14/07/2016
2040