+ A
A -
إن التفجيرات الأخيرة التي ضربت المملكة العربية السعودية في قلب أماكنها الرمزية الأكثر قداسة تمثل بما لا يدع مجالا للتدقيق تطورا نوعيا في الهجمات التي تنفذها التنظيمات الإرهابية والدول المرتبطة بها من أجل تحقيق أجندات استعمارية وتوسعية خاصة.
فالسياق السياسي والحضاري والعسكري بشكل عام يتجه في هذه المنطقة من العالم نحو التصعيد الكبير بسبب تطورات المشهد السوري وتفاعل الحرب الطائفية في العراق ونتائج الانقلاب العسكري في مصر. لكنها المرّة الأولى التي تُستهدف فيها أقدس الأماكن عند المسلمين في العشر الأواخر من رمضان وهو تطور نوعي يوجب التوقف عنده بتأمل الخلاصات والنتائج والاستتباعات.
الثابت الأول هو أن المشاريع الاستعمارية بصدد التقدم داخل منطقة المشرق العربي وبشكل سريع ووتيرة لا تخفى على أحد خاصة بعد سعي القوى العربية الكبرى إلى إفشال الربيع العربي عن سوء تقدير وعن انعدام رؤية استراتيجية لحاجة المنطقة للتغيير السياسي والاجتماعي. فالحضور الأميركي التقليدي والحضور الروسي والإيراني والصهيوني تضاعفا في المنطقة سواء بشكل مباشر أو بالوكالة لقوى داخلية تشتغل لحساب الأجندات التوسعية وهو ما كشف فراغا عربيا كبيرا سمح لها بالتمدد الاستعماري.
الثابت الثاني هو أن الإرهاب بقسميه الطبيعي والصناعي تحول في السنوات الأخيرة ومنذ الحرب الأميركية على العراق إلى ورقة دولية لتنفيذ أجندات استعمارية داخل المنطقة العربية وتحوّل إلى ورم عابر للحدود من أجل أهداف ومخططات دولية كبرى تتجاوز في كثير من الأحيان المشهد الخارجي للعمليات الإرهابية نفسها.
فجماعات العنف التي انتشرت منذ الاحتلال الأميركي للعراق وقد وجدت في انهيار الدولة بعد سقوط النظام العراقي مرتعا خصبا لها ولأجنداتها تحولت من المناطق النائية مثل الشيشان أو أفغانستان إلى قلب المنطقة العربية أو بعبارة أدق أُريدَ لها أن تغادر كهوف «تورا بورا» وغابات القوقاز لتنتشر كالنار في هشيم المنطقة العربية وحطبها اليابس.
الإرهاب أو الجماعات الإرهابية التي يحوم حول تعريفها ومصادر تمويلها وقياداتها شكوك كثيرة بسبب عمليات الاختراق والتوجيه التي تعرضت لها خلال تاريخها تتجه اليوم نحو مزيد من الانكشاف بما هي قوى مدسوسة داخل المنطقة المشرقية من أجل تفعيل مبدأ الفوضى باعتباره شرطا استعماريا قارا.
إن استهداف منطقة الخليج العربي بما هي القلب النابض والعمق العميق للمكونين العربي والإسلامي بواسطة سلاح الإرهاب الأعمى الذي يتسلل إلى قلب البيت الخليجي من الكويت إلى البحرين مرورا بالمملكة العربية السعودية يُشكل اليوم مرحلة جديدة من مراحل تصدير الفوضى التي عملت إيران طويلا على زرعها مشرقيا.
هذه الخلاصة تتأسس على معطيين مركزيين: يتمثل الأول في أن إضعاف الحلقة الخليجية يمثل رأس أهداف المشروع الإيراني على الأرض العربية. ويتجلى الثاني في نجاح الإعلام العالمي والنوادي الاستخباراتية المرتبطة به في شيطنة المكوّن الخليجي وفي ربطه بالإرهاب وهو ما تروّج له منصات إعلامية إيرانية وعربية مرتبطة المصالح بالكيان الصهيوني وأجنداته الاستعمارية مثلما صرح بذلك أكثر من مرة وزير الحرب الصهيوني «أفيغدور ليبرمان».
إن البيت الخليجي يتطلب اليوم وأكثر من أي وقت توحيد الجهود والوسائل وتوحيد القرار السياسي خاصة من أجل إيقاف نزيف العنف الذي تعاني منه المنطقة. وهو هدف لابد له من منصة إعلامية كبرى تكشف زيف الدعاوى الدولية بمحاربة الإرهاب واستعماله أداة لأجندات سياسية واستعمارية دولية.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
07/07/2016
1759