+ A
A -
تصدرت تركيا الاسبوع الماضي الواجهة بامتياز. احيت اعادت انقرة علاقاتها مع اسرائيل التي قطعتها حادثة سفينة «مافي مرمرة»، وفي اليوم التالي اعادت المياه إلى مجاريها مع موسكو بعدما كادت تنضب في اعقاب اسقاط السوخوي. وبما ان تركيا تقع في قلب الاقليم الساخن كان لها نصيبها من لعنة الإرهاب القاتلة حيث شهد مطار اسطنبول اسوأ حادث إرهابي في تاريخه.
ولان تركيا دولة اقليمية وازنة فمن الطبيعي ان تبحث في علاقاتها عن مصالحها وتعزيز دورها في المنطقة، وتاليا فان اعادة احياء اتصالاتها مع اسرائيل وروسيا يلبي حاجة تركية داخلية وخارجية ويهدف إلى زيادة الارباح أو تقليل الخسائر التي قد تطاولها جراء الاوضاع المعقدة في جوارها الجغرافي لاسيما في سوريا التي تحولت مختبرا للتوازنات الدولية والاقليمية يتحرك على نار قوية ومجاري الدماء.
حتما سوريا، في قلب المحركات السياسية التركية وكل الخيوط تقود اليها. وهنا لايمكن فصل حادث مطار اتاتورك عن المسار نفسه. صحيح ان للإرهاب اجندته الخاصة، الا ان اتهام انقرة لـتنظيم «الدولة الإسلامية» بالوقوف خلف التفجير، ينطوي على ضرورة إعلان تركيا حالة حرب صريحة مع التنظيم وتبدل الأولويات الاستراتيجة للأمن القومي التركي من «حزب العمال الكردستاني» وحلفائه إلى تنظيم الدولة وشركائه، وهي رؤية طالما شددت عليها واشنطن. وهذا ان حصل يصب في صلب العمليات السياسية والعسكرية الكبرى الجارية على الارض السورية. فهل هذا التفجير رسالة مرعبة مسبقة حول الكلفة المستقبلية الكبيرة لتحولات السياسة التركية والارتخاء في التعامل مع مسألة رحيل الأسد ومستقبل سوريا، وإعادة النظر في التعامل مع الأحزاب الكردية السورية؟ وفي المقابل هل تعبر انقرة عن تحولاتها السياسية من بوابة حرب الإرهاب، في حقبة تتسم بالبراغماتية الشديدة وتقوم على حسابات المنفعة من دون الركون إلى الاهداف الطوباية والمنظورات المثالية؟
من الصعب اليوم التكهن بانعكاسات التحولات التركية على المسارات الميدانية والسياسية للازمة السورية. لكن الافق الذي رسمه مجلس الأمن لخريطة الطريق السورية بدأ يضيق. لم يبق سوى شهر للتوصل إلى حل سياسي في سوريا بحسب هذه الخريطة، فهل يستشعر الاطراف المعنيين ضرورة الاستعجال لحضور طاولة الحل النهائي؟ ام انهم يحجزون سلفا بطاقات للدور الثاني على خلفية ان المسار السياسي الفعلي يبدأ بعد تولي رئيس جديد للولايات المتحدة في غضون اشهر؟
ففي وقت لم تقدّم المجموعات السوريّة المشاركة في جنيف أفكاراً جديدة. برز تسارع وتيرة المصالحات الإقليمية- الدولية، ويدور الحديث عن احتمالات تقارب تركي - إيرانيّ في وجهات النظر تجاه الصراع السوريّ، برعاية روسية.
هذا التسارع في التحولات السياسية يُمكن أن يحمل دلالات عميقة، في وقت يستمرّ الصراع الميداني على الأرض حاصدا البشر والحجر، ويبدو الحسم ممنوعاً عن أيٍّ من الأطراف.
وهكذا يبقى السؤال كبيراً حول مآلات هذا التسارع وإمكان استغلال النافذة، فما الذي يُمكن إخراجه سياسيّاً بفترة قصيرة على الصعيد السوريّ كي تطمئن كل الاطراف إلى تسوية مقبولة ومتوازنة في استطاعتها ان تُحضًر لمعركة طويلة مع الإرهاب، ومن ثم للمعركة الاصعب وهي رأب الصدع السوريّ المتعدّد الوجهة؟
لا بد من الصبر والانتظار في اقليم الدم والمفاجآت!
أمين قمورية
copy short url   نسخ
06/07/2016
2001