+ A
A -
بعد سلسلة بيانات أميركية متباهية بتمكن «التحالف الدولي» من تقليص مساحة داعش في سوريا والعراق إلى النصف، وتصوير ذلك كإنجاز بالغ الأهمية، يصدمنا مدير «السي آي إيه» جون برينان بالقول أمام مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، إن الطريق ما يزال طويلاً قبل تحقيق تقدم مهم لمواجهة قدرة التنظيم على نشر دعايته والتحريض على شن هجمات.
الأميركيون، وغيرهم كثيرون، يتخبطون وينتابهم عجز فاضح عن تحديد «ماذا يجري بالضبط»، أو مواكبة الإدارة الداعشية الناجحة والمدمرة لخريطة «بنك الأهداف».
فقبل أيام تعاملت واشنطن باستخفاف مع بث تنظيم داعش فيديو يهدد فيه باستهداف لاس فيغاس «مدينة العُري والقمار» وسان فرانسيسكو مالكة أكبر جسر بحري في العالم. طاف الفيديو على «مؤهلات» المدينتين وركز على الجسر قبل أن يدعو أنصاره إلى مهاجمة الأميركيين هناك بكل الوسائل.
غير أن ذلك الاستخفاف لم يصمد، بدليل أن الشرطة الأميركية وصفت تهديد داعش بأنه محاولة لإلهام وتحفيز «الذئاب المنفردة»، فيما قال برينان إنه سيندهش إذا لم يكن داعش يخطط الآن لشن هجمات داخل الولايات المتحدة أو ضد أهداف أميركية في الخارج.
ثم جاءت تفجيرات مطار أتاتورك المجرمة لتؤكد بالفعل أن الحرب على داعش أطول بكثير مما يقول المخمنون أو يزعم المنجمون. وسواء كان إرهابيو تركيا دواعش أو أعضاء متطرفين في حزب العمال الكردستاني، فإن تركيز الجانبين على المطارات والمواقع الأثرية والمنتجعات نجم عنه أكثر من «200» قتيل وآلاف الجرحى في عام «2015» وحده مما دمر موسم السياحة تدميراً شبه كامل في ذلك العام والعام الحالي أيضاً.
يعرف داعش كيف يعوض خسائره في الفلوجة مثلا، أو في الرقة والموصل مستقبلاً، من خلال شن هجمات في أي مكان، سواء كان المنفذون ذئاباً منفردة أو مجتمعة. ومن هذه العمليات تفجير ثمانية انتحاريين أنفسهم في مواقع مختلفة من منطقة القاع البقاعية المحاذية لسوريا، مما دفع قوات الأمن اللبنانية إلى تنفيذ عمليات مداهمة للمخيمات السورية، لأول مرة، بعد أن تحولت في نظر الكثيرين إلى حواضن للإرهاب، وهو ما جربه الأردن قبل أيام عندما تم تفجير سيارة ملغومة انطلقت من مخيم سوري عشوائي عند الحدود، بوسط موقع عسكري أردني ما أدى إلى حصد أرواح سبعة جنود.
كل هذه العمليات يغذيها انسداد الأفق السياسي في سوريا، وهو انسداد اعترف به وزير خارجية فرنسا عندما قال إن طريق التسوية هناك معطل تماماً. هذا التعطيل يجب أن تسأل عنه موسكو التي مازالت تشجع بشار الأسد على محاربة جميع من يعارضونه، وإنْ كان الروس قد أظهروا مؤخراً مللهم من تطرف زاد عن الحد، يمارسه بشار الأسد مما يمنع إقلاع طائرة الحل. ويجب أن تسأل عنه أميركا لأنها صامتة على تصرفات موسكو.
هذا الملل قد يتحول في القريب العاجل إلى اختراق يعمل بموجبه الأميركيون والروس على تنحية بشار، حتى يمكن البدء بالحل. ولكن بوجوده لا حل على الاطلاق، وهو ما نظن أن الكرملين يفكر الآن في كيفية تبنيه دون أن يخسر ماء الوجه.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
01/07/2016
1405